التسامح من أهم الصفات التي تُبنى عليها العلاقات الإنسانية القوية، التسامح فعلٌ وسلوك، وليس حديثاً نظرياً مجرداً.
ولأن شهر رمضان الكريم هو شهر القرآن، والصيام، والقيام، فإنه شهر التسامح، لأن في آيات القرآن، وفي أحاديث خير الأنام صلى الله عليه وسلم ما يؤكد معنى التسامح، ويدعو إليه، ويحث على تحويله إلى فعلٍ مطبق في حياة الناس، والتسامح مبنيٌّ على العفو، والعفو من صفات الكرام الذين ينتصرون على نفوسهم الأمَّارة بالسوء، ويحبون لغيرهم ما يحبون لأنفسهم وفي حثِّ الرسول صلى الله عليه وسلم الصائمين على البعد عن السِّباب والشتائم ما يؤكد هذا المعنى، بل يؤكد ما هو أبعد منه، ألا وهو مقابلة الإساءة بالإحسان، وهذا معنى عميق من معاني العفو والتسامح (فإنْ سابَّه أحدٌ أو شاتمه فليقل: (إني صائم)).
(إني صائم) جملة مؤكدة ترسم أمامنا صورة مشرقة لضبط النفس، وقوَّة الإرادة، والعفو والتسامح.
والله سبحانه وتعالى يقول: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.ويقول: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}.
عفو وتسامح، وبعد عن المشاحنة والبغضاء، هكذا تكون حياة المسلم بصفة عامة، وحياة المسلم الصائم بصفة خاصة.
الصوم مدرسة التسامح التي تعلِّم الإنسان الصبر، والاحتساب، وتدرِّبه على الحدِّ من سيطرة رغباته وشهواته، وعلى ضبط نفسه وامتلاك زمامها عندما تلوح بوادر الغضب، وتشتعل نيران الانفعال.
الصوم لا ينحصر في ترك الطعام والشراب، فإن هذا مظهر شكلي لا يدل على قيمة كبرى للصيام إذا لم يقترن بضبط النفس، وسمو الروح، وتحقيق معنى (التقوى) المراد من عبادة الصيام.
ومن عجيب ما اطلعت عليه أن في دولة السويد، وفي البرتغال مركزين كبيرين لعلاج الأمراض النفسية وحالات الإحباط والاكتئاب بالصوم، مع ما يسمُّونه (التأمُل المتسامي)، وكان هذا الأمر عجيباً بالنسبة إليَّ، لأن الأهداف المرسومة لهذين المركزين تؤكد عظمة ديننا الذي أكمل الله به الدين، وأتمَّ به النعمة، فصيام رمضان يحقق تلك الأهداف ويزيد عليها الهدف الأسمى ألا وهو عبادة الله عزَّ وجلَّ، والحصول على الأجر العظيم يوم يقوم الناس لربِّ العالمين، فالصيام لا يكتمل إلا إذا صامت الجوارح، وصام القلب عن كل نيةٍ سيئةٍ وقصدٍ غير سليم، وصام الإنسان صياماً يحول بينه وبين الإساءة، والاعتداء، وفي هذا من السموِّ الروحي، ومن العلاج لأمراض النفوس ما لا يخفى.
الصيام (جُنَّة) أي أنه ستار يحمي الإنسان من المعصية ودواعيها، ولهذا كان التوجيه النبوي (فإن كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يفسق).
ما أعظم نعمة الصيام، وما أجدرنا بالإفادة من مدرسته العظيمة.
إشارة: سامح صديقك إنْ زلَّتْ به قدم
فليس يسلم إنسان من الزَّلّلِ
www.awfaz.com