لم تعد الحاجة لتأمين مسكن مسألة اجتماعية وحسب، بل تحولت إلى أزمة اقتصادية فمعدل التضخم الذي لامس 11 بالمائة في شهر يوليو الماضي شكل ارتفاع الإيجارات المؤثر الأكبر فيه حيث وصلت نسبة الارتفاع إلى 23 بالمائة وفق تقرير مصلحة الإحصاءات العامة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وإذا كان تأمين الغذاء مرتبط بالطبيعة الجغرافية فإنه وبالرغم من عدم وجود مياه وأراضٍ صالحة للزراعة إلا أن المملكة اتخذت خطوات معروفة بتشجيع الاستثمار الزراعي بدول مجاورة لسد الاحتياجات المستقبلية، ولكن مشكلة تأمين السكن لا ترتبط بأي عامل جغرافي فالمساحات شاسعة ولله الحمد ولكن هناك تأخر بتحسين البيئة المشجعة على استقطاب الاستثمار بمجال تشييد الوحدات السكنية فقانون الرهن العقاري رغم أنه الآن بمراحله الأخيرة لكنه أخذ سنوات حتى وصلنا إلى هذه المرحلة والمساهمات العقارية لم تكن أوفر حظا من قانون الرهن العقاري من ناحية تنظيمها وإلى الآن القضايا العالقة كبيرة جدا ومنذ عقود لم تحل، فهناك أسباب تنظيمية لعبت دوراً مؤثراً بتأخر النمو ببناء الوحدات السكنية لمواكبة الطلب فأصبح هناك فرق كبير بين العرض والطلب ولا بد لسد جزء كبير من هذه الفجوة من اعتماد مشاريع عاجلة لبناء وحدات سكنية بضواحي المدن عموما لإعادة التوازن لدفتي السوق ولتكن عبر صندوق التنمية العقاري مع إشراف كامل من هيئة الإسكان التي رأت النور منذ أكثر من عام ونصف ولم نسمع شيئا منها حول خططها وتصورها المستقبلي لحل الأزمة فالتقديرات تتكلم عن احتياج يفوق 2 مليون وحدة سكنية جديدة خلال 15 سنة قادمة أي بمعدل يفوق 200 ألف وحدة سنويا, والمدن الاقتصادية التي تبنى حاليا ستساهم بتقليل تدفق الهجرة للمدن الكبيرة وتوزيع التنمية على مستوى المملكة والمساهمة بإيجاد حل للمشكلة السكانية لكنها تحتاج إلى سنوات طويلة حتى تنهض وتكتمل مقومات نجاحها وبالتالي لا بد من حلول عاجلة تحد من الارتفاعات الكبيرة بالأسعار والتي حولت العقار إلى سوق مغرٍ للمضاربات فالأسعار تتحرك بين يوم وليلة معيدة للذاكرة ما حدث بسوق الأسهم قبيل انهياره عندما أصبحت الأسعار تتحرك بشكل واسع وكبير وهذا ما يحدث بأسعار الأراضي ومن المعروف أن القمم يصنعها المضاربون دون أن يكون لمستواها السعري أي قيمة اقتصادية فعائد العقارات بتكاليف اليوم فاق مكرر 20 مرة بسبب الارتفاع المتواصل بالأسعار وهو مرتفع قياسا بآلية السوق العقارية المتعارف عليها بأن يكون متوسط المكررات عند حدود 10 مرات.
أزمة تأمين المسكن تحتاج إلى تحرك من قبل الهيئة المعنية بالإسكان وبالتعاون مع كل الجهات ذات العلاقة ولا بد أن نسمع عن خطط الهيئة وأن تضع يدها على موطن العلة وتعالجها سريعا ولا مناص من السرعة بإطلاق الأنظمة وتعديل الموجود منها حتى يكون الحل متكاملا لإيجاد بيئة استثمارية تساهم بشكل كبير وسريع لسد الاحتياجات الحالية والمستقبلية.