كتب إعلامي عتيق إلى إعلامي افتقد الرشد، الرسالة التالية عشية استقبال شهر رمضان:

أبدأ رسالتي بتحية الإسلام، في شهر فتحت فيه أبواب الجنة، وغلقت فيه أبواب جهنم، وصفدت فيه الشياطين، دعاء الناس فيه:

يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، والله أسأل أن يرشدك الصواب، ليكون إعلامك كالسواك (مطهرة للفم مرضاة للرب) وفمك أطيب عند الله من ريح المسك، فلا تسترسل في الكذب على الناس، وكفى تدليساً عليهم، ولا تدافع عن إعلام بدأته مشبوهاً منحرفاً وبقي على حاله، وليكن مشروعك الإعلامي المستقبلي غير متناقض مع واقع مجتمعك، ولا ينشئ فجوات عميقة بين قولك وفعلك، وظاهرك وباطنك، وأن تكون خريطة إعلامك المسؤول عنها أمام الله، مدعاة لخروجك من حاضرك الإعلامي المرفوض دينياً، واجتماعياً، وثقافياً، إلى مستقبل يكون فيه إعلامك فكراً يمكث في الأرض.

آمل أن تكون نادماً على ما فاتك من مواسم الخيرات، وأيام الرحمات، وما فرطت في جنب الله، وها قد هبت أفضل الأيام، وأطيب الساعات، فهل أنت قادر على أن ينجم عن إعلامك تغير فكري رشيد؟ أم ستستمر في تمثيل مسرحية هزلية أمام الذين يفكرون، ومسرحية مأساوية أمام الذين يحسون؟.

أنت في شهر عظيم مبارك، أسأل الله أن يكون ربحك فيه عظيم (فلا يضيعه إلا خاسر، ولا يقعد عن المنافسة فيه إلا خائر، ولا يحرم فضله إلا شقي) وتأكد أن نفسك مراقبة من الله عز وجل، فليكن إخلاص عملك لله، ثم لمجتمعك ووطنك وأمتك، وأدعو الله أن تتبنى فكراً إعلامياً غير تصادمي مع مجتمعك، بل ينبع من واقع ميراثه التاريخي، والديني، والاجتماعي، وأن توطن نفسك على المحاسبة إن أسأت تنفيذه، ولا تنسى أن (الدهر قلّب لا يؤمن جانبه، والزمن دوار) ولا يغرنك زمن إعلامك الموبوء، وأن تعي أن صيامك امتناع عن السلوكيات الإعلامية المتناقضة، في خضم حرصك على إثبات وجودك، من خلال فرض فكر إعلامي مخالفٍ لما نشأ عليه مجتمعك.

إن من بين وظائفك الإعلامية أن (تجعل المجتمع يوازن نفسه بالصورة التي تمنع الخروج على قيمه وتقاليده) وآمل أن تمتنع عن التسلط على من يقول لك الحقيقة، وتطهر نفسك من التورط في أعمال إعلامية عدوانية، وتعيد رسم توقعاتك عن اتجاهات جمهورك إزاءك، ولتتق الله، فتقوى الله هي الظل الذي ينبغي أن تتفيأه، وحرز إعلامك من كل الرذائل.

مشكلتك تكمن في أنك تقوقعت داخل مكتبك، وصممت أذنيك عن سماع النصيحة، ولم تعد تميز بين من يصدُقك ومن يصدِّقك، كما لم ترتبط مع مجتمعك بأهداف إعلامية مشتركة، فليكن رمضان وسيلة لتنشيط مبيعاتك التي اندثرت.

آمل أن تراجع عجزك نحو جمهور مؤسستك الإعلامية، وتجريدها من قدراتها القيمية، وتحويلها من قوة لخدمة الإنسان إلى قوة ضده، وأدعو الله أن يكون صيامك ثقافة مستمرة، ووقاية من عذاب نفسك وغربتها، وسبباً من أسباب مغفرة الله لذنوبك، ولتعلم أن الناس يريدون مسؤولاً إعلامياً لا يغفل قلبه، وعيناه يقظتان، وضميره حي، يا قادر يا كريم.