بعث لي أحد الأخوة يذكرني أني خالفت سنة من السنن التي اتبعتها في هذه الجريدة. مر عام كامل أكتب هذه المقالة بلا عنوان سوى اسمي وصورتي واسم الزاوية الثابت. أجريت عدة تجارب على هذه الزاوية. بدأتها بطول المقالة. كان عدد كلمات هذه الزاوية يتجاوز السبعمائة كلمة. كنت آخذ راحتي في الكتابة. مساحة تسمح لي بكتابة مواضيع متنوعة ولا تفرض علي أن أعيد كتابة المقالة. لا أحتاج أن أعدل وأبدل حتى أخفض عدد الكلمات مع بقاء ألق المقال ووضوح فكرته. خسرت كثيراً من المواضيع التي أحب كتابتها إلا أني نجحت في تحقيق المعادلة التي أرومها. الوصول إلى ما تريد أن تقوله بأقل الكلمات وأسرعها وأكثرها قرباً من قاموس القارئ. لن ينتظرني أحد أمطمط وأحسن وأجمل. قل كلمتك وارحل. سبق أن تخليت عن الصورة أيضاً. ما الحكمة أن يتخلى الكاتب عن صورته إذا كان يتمتع بوسامة آسرة. غابت صورتي عن مقالي سنوات. مع الأسف لم يطالبني أحد بإعادتها كما ظننت فاضطريت أن أعيدها بنفسي. ها هي معلقة تضيء الجريدة ولكنها تعاني من قلة المبصرين بل من قلة الوفاء. أخيراً جاء عنوان المقالة ليكون إحدى ضحايا التجارب التي أجريها. وعدت القارئ أن أمنح التجربة عاماً كاملاً. أنشر مقالي بلا عنوان. يأتي القارئ إلى المقال وهو لا يعرف ما الذي سيقرأه. يكفيه اسم الكتاب. قرار فيه شيء من الغرور. نبهني أحد الأصدقاء إلى خطورة هذه التجربة. الجريدة ليست وقفاً على قراء ثابتين. قال ستخسر القراء الطارئين الذي يلتقون بالجريدة في مناسبات أو بالصدفة أو القراء الجدد الذين تجتذبهم الجريدة كل يوم. مشكلتي مع العنوان كبيرة. لا أجيد وضع العناوين الجذابة. واجهت هذه المشكلة مع روايتي الأولى التي سوف تصدر قريباً. ثمانية أشهر وأنا أبحث عن عنوان مع ملاحظة أن أي عنوان مهما كان جذاباً هو في الواقع قيد. يجعل ذهن القارئ يتجه إلى فكرة معينة. يحد من التوقع والبحث عن المجهول. يساهم في صناعة المفاجأة ولكنه لا يترك الخيال يعمل بحرية. يعرف القارئ أنه قادم لقراءة مقال ساخر أو قصة أو نقد اجتماعي. يهيئ نفسه لما سوف يقال. قد يفاجأ بغير ما توقع ولكنه لن يشغل طاقة خياله ليصنع عالماً متجدداً مع كل سطر يقرأه. يعرف إلى أين هو متجه. الشيء الثالث وهو مهم في عصر التقنية. بدأت مقالاتي تغيب عن بعض المواقع الإلكترونية التي تعيد نشر بعض مقالات الصحف. كل موقع يهتم بموضوع معين. العنوان يدل على موضوع المقالة. غياب العنوان يعني إهمال المقال.
قررت أن أعيد إلى المقال على أن يكون فضفاضاً واسع الدلالة. أتذكر رواية باسم (اسم الوردة). عنوان جميل وجذاب وحقق لمؤلفه امبرتو أيكو شهرة فائقة. قرأت الرواية عدة مرات وشاهدت الفلم السينمائي المبني عليها وحتى الآن لم أجد العلاقة المباشرة بين العنوان وبين النص. هناك تأويلات كثيرة ولكنها لم تساهم في فهم العنوان بقدر ما شجعت على قراءة الرواية أكثر وأكثر. أخي القارئ الآن قرأت المقال الرجاء أن تنسى العنوان المعلق عليها. حاول أن تضع عنواناً أفضل لهذه المقالة وأبعث به إلي لو سمحت.
yara.bakeet@gmail.com