يملك أبو سعد من الإمكانيات الفكرية والأساليب التربوية ما يكفيه أن يربي أبناء المجتمع الذي حوله، فقد تزوج بعد نضوج عقلي وعاطفي ورزق بأولاد وبنات، فكان همُّه أن يعلِّمهم العلم الصحيح، ويعوَّدهم الرماية والسباحة وركوب الخيل.
وبرغم توسط حالته المادية، إلا أنه كان شهماً كريماً يملك من عزة النفس الكثير، ومن غناها الأكثر، وثقته بالله بلا حدود، ويكفيك أن تمد أنبوباً صغيراً من قلبه ليزداد قلبك تدفقاً بالإيمان بالله والثقة به.
ورغم ما مرَّ بهذا الرجل من ابتلاء وامتحان رباني عجيب لم يتذمر قط! فهو يشعرك بالراحة عندما يتحدث عما حباه الله من نعم، وما امتن عليه من حلل الصحة وعافية الأبناء ورضا الوالدين والأقارب.
بيد أنك حتما ستلمح في عينيه حيرة، وفي حديثه لوعة، وفي نفسه انكساراً حين يأتي الحديث عن أحد أولاده الذي خيَّب أمله وقطََّع أوتار طموحه، وهو المربِّي الذي لم يتوقع امرؤ قط أن يفشل أحد أبنائه أو يتعرض للانحراف!
ففي الوقت الذي بدأ يعدُّ ابنه ليكون ساعده الأيمن وعونه في كبره؛ إلا أنه أصبح عبئا ثقيلا عليه وغُصَّة في حلقه يتجرعها آناء الليل وأطراف النهار حتى احتار في إصلاحه وحار به عقله. ولم يكن الأب المكلوم يتجاهل قط ما آلت إليه حال ابنه الحبيب حين انحرف عن الطريق السوي وتحول لمدمن خطير.
ولمَّا أدرك بفطرته وفطنته خطورة ابنه على من حوله، وعدم شعوره بالمسؤولية تجاه أسرته، ولا مبالاته في معيشته أو اهتمامه في مظهره، أمسك الأب بتلابيب ابنه - وهو الغالي عليه - وتوجه به لمستشفى الأمل لعله يجد العناية والعلاج فيعود إلى أسرته فردا نظيفا طاهرا، ويعيش وسط مجتمعه مواطنا صالحا نافعا.
بيد أنه تفاجأ بأن المستشفى لا يملك الإمكانيات المادية والعلاجية، بل إنه اعتذر عن استقباله حيث لا يوجد سرير شاغر!
لم تكن خيبة الأمل وحدها التي عاد محمَّلا بها هذا الرجل الكريم، وعمره يخطو نحو الثمانين، بل عاد بالحسرة والألم. فكيف يمكن لهذا الابن وغيره من الضحايا أن يُشفوا وأسرهم لا تستطيع علاجهم وكف أذاهم، وإبعادهم عن رفاق السوء الذين يدبرون لهم الأسباب ويُعدّونهم ليكونوا مروجي سموم يدمرون من حولهم؟!
يا وزير الصحة، وأنت الرجل الذي أوجعتك صاحبة الدوامين فاتصلت مستفسراً وواعداً بحل مشكلتها وألقيت عليها (بشت) عطفك، فلم يمض إلا قليل حتى أصدرت قراراً تاريخياً بدمج دوام المستشفيات والمراكز الصحية ليكون دواماً واحداً. فكنت للخير مبادراً وللحق متبعاً.
أفلا يمكن انتشال أبنائنا المنكوبين وفتح المزيد من مستشفيات الأمل وتوسيع القائم منها لعلاجهم، والمبادرة بافتتاح مراكز نموذجية لعلاج الإدمان بأقسام متعددة بعضها برسوم مالية للقادرين، يُنفَق منه على الأقسام المجانية للمتعففين، وفتح المجال للمتبرعين؛ ليتخرج منها أبناؤنا بعد أن تُنقَّى أكبادهم من السموم وتطهَّر أفكارهم من الانحراف، ولا يكتفى بالعلاج فحسب بل لابد من تأهيلهم لترجع لهم بصائرهم وتزكو نفوسهم للخير ليعودوا بعدها رجالا صالحين؟!
أيها الوزير: كُسرت ظهور الرجال الكرام، وحُطِّمت قلوب الأمهات المقهورات، وتشردت الأسر الآمنة، فماذا أنتم فاعلون؟!
rogaia143@hotmail.Com
ص. ب 260564 الرياض 11342