Al Jazirah NewsPaper Monday  01/09/2008 G Issue 13122
الأثنين 01 رمضان 1429   العدد  13122
شعوذة حقوق الإنسان والسياسة الأميركية في هايتي
لاوني فيود - مونيكا كالرا فارما

كشفت الوثائق التي نشرتها وزارة خزانة الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً عن تفاصيل المحاولات التي بذلها بنك التنمية بين الأميركيتين بالتعاون مع الحكومة الأميركية لاستغلال قروض الأزمات التي حصلت عليها هايتي كوسيلة ضغط بهدف التوصل إلى نتائج سياسية مرغوبة لديهما.. تكشف هذه الوثائق عن تدخل الولايات المتحدة لوقف قروض من بنك التنمية بين الأميركتين يبلغ مجموعها 146 مليون دولار أميركي، وهي قروض حصلت على الموافقة في العام 1998، وكانت مخصصة لتوفير مياه الشرب النظيفة، وتوفير الرعاية الصحية والتعليم للأطفال، وبناء الطرق الريفية، وتحسين الظروف المعيشية لأهل هايتي.

من المفترض في بنك التنمية بين الأميركتين، وهو بنك التنمية الإقليمي الأضخم على مستوى العالم، أن يزاول أعماله في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي (للإسهام في التعجيل بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية).. إلا أن تصرفاته في هايتي تتعارض تمام التعارض مع هذه الأهداف المعلنة.

إن ما يقرب من 54 مليون دولار من قروض بنك التنمية بين الأميركتين المخصصة لإنشاء البنية الأساسية للمياه في هايتي، والمشهورة بأنها الأسوأ على مستوى العالم، كانت تَعِد بالعمل كوسيلة أكيدة لمنع الأمراض الفتاكة التي تحملها المياه الملوثة.. إلا أن هذه القروض المصممة للمساعدة في كفالة الحق في الحصول على المياه النظيفة في أشد بلدان نصف الكرة الأرضية الغربي فقراً، فضلاً عن الأرواح التي كانت قد تنقذها، تحولت إلى أداة للتلاعب المتعمد بين أيدي قوى سياسية.

في العام 2001، هدد مسؤولون في الولايات المتحدة باستخدام نفوذهم لوقف قروض بنك التنمية بين الأميركتين التي سبق الموافقة عليها ما لم يخضع حزب الأغلبية السياسي في هايتي للمطالب السياسية بتقسيم المقاعد في الهيئة المشرفة على الانتخابات في هايتي على نحو محدد.. بعد ذلك مباشرة، وبأمر من الولايات المتحدة، وبدلاً من توزيع القروض طبقاً للتخطيط المسبق، اتخذ بنك التنمية بين الأميركتين وأعضائه خطوة غير مسبوقة بإضافة شروط تلزم هايتي بتطبيق إجراءات سياسية معينة قبل تحويل الأرصدة.. والحقيقة أن مثل هذه التصرفات تخالف ميثاق بنك التنمية بين الأميركتين، الذي يمنع البنك وأعضاءه بوضوح من التدخل في الشئون السياسية الداخلية للدول الأعضاء.

كشفت رسائل البريد الإلكتروني الداخلية أن المستشار القانوني للولايات المتحدة داخل بنك التنمية بين الأميركتين اقترح على وزارة الخزانة الأميركية أن الولايات المتحدة قادرة على إعاقة هذه القروض رغم أنها لا تواجه عقبات فنية مشروعة، وذلك من خلال (إبطاء) العملية.. ومن خلال المطالبة بالمزيد من مراجعة القروض، سوف تضطر هايتي إلى دفع أقساط مجدولة حتى قبل توزيع أرصدة القروض.. وأضاف المستشار: (رغم أن هذه ليست بالوسيلة الأكيدة لمنع قروض بنك التنمية بين الأميركتين، إلا أنها سوف تضع بكل تأكيد المزيد من العقبات الضخمة على الطريق).

وفي العام 2001، ربط دين كوران سفير الولايات المتحدة إلى هايتي آنذاك، ربط علناً بين منع قروض بنك التنمية بين الأميركتين ومطالبة الأحزاب السياسية في هايتي بالتوصل إلى التسوية التي تريدها أميركا.

ونجحت هذه التكتيكات.. وكانت النتيجة تراكم أقساط الديون المتأخرة على هايتي التي حُرِمَت من الأرصدة التي كانت تتوقعها بالفعل، الأمر الذي أدى إلى تفعيل القواعد التي تحكم عمل بنك التنمية بين الأميركتين والتي تمنع البنك من تنفيذ القروض.. وفي الأعوام التالية لجأت الولايات المتحدة إلى توظيف تكتيكات إضافية لإعاقة القروض، فاشتركت مع بنك التنمية بين الأميركتين في المراوغة كلما بدا أن هايتي ربما تتمكن من الوفاء بالشروط والمطالب السابقة.

وكانت العواقب مدمرة.. على سبيل المثال، حتى الآن لم تشهد مدينة بورت دي بايكس تنفيذ أيٍ من مشاريع المياه، رغم اختيارها من قِبَل البنك قبل عشرة أعوام كأول موقع للمشاريع نظراً للوضع البائس فيما يتصل بالمياه هناك.. ولقد أظهرت إحدى الدراسات التي أُجريت بواسطة مؤسسة شركاء في الصحة، ومركز روبرت ف. كينيدي التذكاري لحقوق الإنسان، ومركز حقوق الإنسان التابع لجامعة نيويورك، ومنظمة العدالة العالمية، عدم وجود أي مصدر عام عامل للمياه في المدينة.

اكتشف الباحثون الذين أجروا الدراسة أن ثلاثة أرباع مصادر المياه في المدينة تحتوي على مستويات عالية من البكتيريا العضوية، وهو مؤشر أكيد لتلوثها بالبراز.. كما أكدت الدراسة أن 15% من الأسر في المدينة تعاني من أعراض مرتبطة بمرض التيفود.

إذا ما كانت الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الأعضاء قد انضمت إلى بنك التنمية بين الأميركتين بهدف تحمل مسؤولية تحسين الظروف المعيشية في أميركا اللاتينية، فليس من حقها أن تستغل عضويتها لتقويض الحقوق الأساسية للشعوب التي تزعم ببساطة أنها تعمل على دعم أجنداتها السياسية.

يتعين على بنك التنمية بين الأميركتين والولايات المتحدة أن يتحملا المسؤولية عن تصرفاتهما وأن يوظفا آليات الشفافية الضرورية لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات.. وبوسع إدارة المسؤولية الحكومية، من خلال لجان التحقيق التابعة للكونغرس ولجان المراجعة السنوية التابعة لوزارة الخزانة، أن توفر الإشراف اللازم لمنع إساءة الاستغلال السياسية لبنك التنمية بين الأميركتين وقروضه في المستقبل.. إن أهل هايتي، ودافعي الضرائب في الولايات المتحدة، يستحقون نظاماً علنياً يستعرض موقف قروض بنك التنمية بين الأميركتين والمشاريع في هايتي، من أجل ضمان وفاء الولايات المتحدة والبلدان الأعضاء في بنك التنمية بين الأميركتين بالتزاماتها فيما يتصل بالتنمية وحماية حقوق الإنسان.

لاوني فيود مديرة عمليات مؤسسة شركاء في الصحة في هايتي والحائزة على جائزة روبرت ف. كينيدي لحقوق الإنسان في العام 2002.
مونيكا كالرا فارما مديرة مركز روبرت ف. كينيدي التذكاري لحقوق الإنسان.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت - 2008.
خاص بالجزيرة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد