تلقى قرارات هيئة سوق المال السعودية عند صدورها ردة فعل سلبية دائماً لدى الشريحة الأكبر من المتعاملين، وغالبا ما تفسر على أنها ضعف ثقافة ووعي المستثمرين بآلية التعامل مع الأسواق وأهمية التطوير وتحديث الأنظمة بما يؤسس لبناء سوق استثمارية واعدة، ولكن في حقيقة الأمر السبب لا يعود لهذا الجانب بل تتحمل الإدارة الإعلامية بهيئة السوق المالية مسؤولية أكبر لشرح أي تحرك للهيئة وإيصال الأهداف الكامنة وراء أي قرار تتخذه وآثاره البعيدة، وقد يكون قرار الهيئة الأخير بفتح السوق للاستثمار الأجنبي لغير المقيمين أكبر دلالة على ضعف التواصل الإعلامي مع المتداولين، فلم تكن التساؤلات تصدر من المتداول الفرد بل حتى من شركات الوساطة المعني الأول بهذا القرار.. ولو عدنا بالذاكرة قليلا سنجد أن العديد من القرارات كانت تفسر على أنها سلبية ويتم تحليلها باجتهادات خاصة من وسائل الإعلام وحتى من الأفراد وتنتشر الشائعات حول سلبيتها وتستغل نفسيات المتعاملين بمزيد من الضغط على السوق، وفي كل مرة يخسر المؤشر قرابة 7 إلى 10 في المائة ويفقد ما لا يقل عن 50 إلى 70 مليار ريال من القيمة الإجمالية للسوق، وفي القرار الأخير كانت ردة الفعل عكسية وكسب المؤشر أكثر من 5 في المائة ومازال المتداولون في حيرة من طريقة التعامل مع أي قرار يصدر فلا يوجد من يشرح له أهمية أي خطوة جديدة بشكل رسمي وتترك الساحة للاجتهادات والتوقعات المتباينة وسط غياب إعلامي واضح من قبل هيئة السوق المالية، فلا نرى أي مؤتمر صحفي يعقد للإجابة عن أي استفسار يدور بذهن المتعاملين ولا نشاهد أي توضيح وتفصيل على الموقع الإلكتروني لهيئة السوق أو شركة تداول، فحملة التوعية والتثقيف التي تبنتها الهيئة منذ سنوات تندرج تحتها عملية التواصل مع المتداولين بإيضاح كل ما يحتاجونه من معلومات عن أهمية القرارات التي تتخذها الهيئة لتطوير السوق، ولعل إقامة مؤتمر صحفي وإعلامي واحد كفيل بنقل وجهة نظر الهيئة وإيضاح الخطوة التي أقدمت عليها بأقل التكاليف، فوسائل الإعلام عطشى لمثل هذا التواصل وهي كفيلة بإيصال كل ما ترغب الهيئة بتوضيحه دفعة واحدة وبالتالي سيكون أمام جمهور المتعاملين معلومات كاملة وصادرة بطريقة رسمية وسيكون رجع الصدى إيجابيا لأنه سيقطع الشك باليقين للجميع ولا يترك مجالا لأي تأويلات أو استغلال من البعض لبث الإشاعات عن احتمالية سلبية أي قرار صادر.
نذكر جميعا كيف تأثر السوق سلبا عند تطبيق نظام تداول الجديد وما بث حوله من إشاعات سلبية قبل وبعد تطبيقه، واتضح للجميع أن الأمر خطوة إيجابية ولا يعدو كونه تحديث أنظمة.
التواصل الإعلامي المدروس في سوق ناشئ جزء من نجاح أي تطوير وإصلاح تقوم به الهيئة ولا يترك الباب مفتوحا لأي تأويلات ويقطع الباب أمام بث الإشاعات، كما أنه يسهم بشكل أساسي بتوضيح أبعاد خطط الهيئة لنقل السوق لمصافي الأسواق المتقدمة وتسويق مجاني لبعض القرارات التي تهدف لجذب الاستثمار لاقتصاد المملكة عبر السوق المالية فما شهدناه خلال المرحلة السابقة من تحديث وإصلاح من قبل الهيئة أثبت إيجابيته بعد تطبيقه فورا على الرغم من كل اللغط الذي أثير حوله والسبب يعود لعقم التواصل الإعلامي في وقت نعيش طفرة غير مسبوقة بوسائل الاتصال.. أفلا يستحق قرار تتحرك على أساسه مليارات الريالات في السوق المالي الأكبر عربيا بعض التواصل الإعلامي المدروس.
****
* تنويه:
احتجب المقال عن عدد الأمس لظروف فنية وسيعود كالمعتاد الأسبوع القادم يومي الأحد والأربعاء.