ثقافة عربية الحديث عنها شق لا يدركه راقع، عدنانية أم قحطانية عارية أم مستعربة بائدة أم باقية طسم وجديس أم عاد وثمود يهود عرب نصارى عرب، نقلت عن أوربا أم أوربا نقلت عنها هل اندثرت أم الفجر لها من أول من تكلم بها وغيّر لغة أبيه هل نحن مسلمون عرب أم عرب مسلمون هل الأمة مظلة للعرب فقط أم للمسملين عامة هل نحن أفضل أم الآخر هل أغلق الشافعي العقل العربي أم أراحه وكفاه هم الاجتهاد هل نحن واقعيون أم ماضويون الحديث عنها شق لا يدركه راقع بل فراغات ومجاهيل هائلة إن تناوله مستشرق عالم عامد أو جاهل غرير فنحن لا نعدو (عمامة، عنبر، لحيه، جارية، عود، ألف ليلة وليلة، وعصابة من السراق والفاتحين أو الغاصبين، علماء يدينون لأثينا بالعلم). أما بعد:
ليست خطبة ولكن سأقول أما بعد لأني عربي فهي المخرج إذا تعذر حسن التخلص، السؤال الأول: من نحن من هم العرب؟ أقرب الأقوال إلى الصواب أنهم انتقلوا من الجزيرة إلى ما بين النهرين وفلسطين وما يحيط بها لا كما يقول (جويدين الكبير) العالم الإيطالي إنهم نشأوا في أرض غير الجزيرة العربية والحجة في ذلك كثرة أسماء النبات والأمواه في لهجاتها الأولى والرد على ذلك أن الجزيرة كما أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت خضراء ذات مياه وستعود كذلك.
وجد العرب في ديارهم قبل أن يعرفوا بالعرب. أما اللغة ففرع من فروع السامية تطورت إلى أن نزل القرآن وجاءت الفصحى لغة قريش ولم يثنها ذلك عن التطور وإن أنكرنا ذلك فالواقع لا يلتفت إلى مغالط، مضى على العرب أكثر من ألفي سنة وهم معروفون بالعرب ويطلقون على أنفسهم العرب أما أصل التسمية وتاريخها فلا سبيل إلى معرفتهما ولكن لا بأس بالاستئناس ببعض الاجتهادات في أصل التسمية قيل أطلق عليهم العرب لأنهم كانوا يسكنون موقع الغرب من أمه أخرى يحل فيها حرف العين محل حرف الغين. وقيل أطلق عليهم هذا الاسم من العرابة بمعنى الجفاف وقيل نسبة إلى يعرب بن قحطان، أما يقوت في معجم البلدان فله رأي آخر يقول: (إن كل من سكن جزيرة العرب ونطق بلسان أهلها فهم العرب، سموا عرباً باسم بلدهم العربات) أبو تراب إسحاق بن الفرح قال: (عربة باحة العرب وباحة العرب دار أبي الفصاحة إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أما النبطي فكل من لم يكن راعياً أو جندياً عند العرب من ساكني الأرضين فهو نبطي).
السؤال الثاني: ما هي خصائص هؤلاء العرب؟ تجولت على العديد من الكتب والأبحاث والأوراق الاجتماعية والسياسية والفكرية فرأيت شبه الإجماع على بعض الخصائص وقبل الخوض فيها لا بد من هذا الحديث: كانت الأحداث في غابر الزمن بطيئة جداً تحتاج إلى قرون ثم إلى سنين ثم إلى أشهر ثم إلى ساعات في عصرنا، هذا فلا نكاد نصحو من صدمة حتى نغرق إلى أذنينا في حوارات ونزاعات وتراشقات الصدمة التي تليها، حرب إيران، حرب الخليج، سقوط بغداد، تدمير لبنان، أما فلسطين فملف ضخم أودع في قرص هائل السرعة، فأصبحنا كما قال بعضهم مخضرمين في كل ساعة.
إذن العالم يسير بسرعة ونحن واقفون نسأل إلى أين نقدم رجلاً ونأخر أخرى عنصر المفاجأة متغلغل في دماء العربي، كنا نلتمس العذر للعربي إذا تفاجأ بسقوط بني أمية وقيام بني العباس فما بين الدولتين زمن ليس باليسير أما اليوم كما أسلفنا فلا مجال للأعين المبهوته أن تبقى مبهوته فالسيل جارف والقرار الحكيم الذي يحتاج إلى شهر لا نقول نريده في يوم أن يتخذ بل لا بد من تكهن المستقبل وقراءة التاريخ لا في شهر بل في سنة حتى إذا واكب الحدث اتخذناه في يوم وسميناه قراراً حكيماً.
في كل مصيبة تحيق بالعرب يجتمع وزراء الخارجية العرب اجتماعاً (طارئاً) حتى أصبحت كلمة (طارئاً) مرادفة ل (وزراء الخارجية العرب) لماذا لا نستفيد من التجارب لماذا لا نجتمع اجتماعاً غير طارئ، فسمات الاجتماع الطارئ هي: (التسرع، التراشق، تحميل الآخرين المسؤولية، اتخاذ القرارات الطارئة التي ألقت بنا خلف الشمس) نريد اجتماعاً هادئاً نستشرف فيه المستقبل، نحضر فيه القرارات الحكيمة، نقرأ فيه أوراقنا بصوت تسمعه الشعوب العربية في عملية لغسل مخها من عنصر المفاجأة.
إيران تلهب الهلال وتدعم بالدولارات (حزب الله) وتدعم بالصواريخ (حزب الله) وتؤز نصر الله إلى حرق لبنان أزا حتى نعيد نحن العرب بناءه مرة أخرى لمصلحة من؟ لست أدري، ونحن نسمع ونرى وتدخل إسرائيل لبنان الصيف قبل المنصرم تقتل وتهتك وتدمر ثم نتفاجأ ثم نشبه نصر الله بجمال عبدالناصر ولا نقف عند هذا الحد بل نشبهه بصلاح الدين.. لا تعليق.
وقبل أن نغرق في هذه الشجون والحديث ذو شجون نعود للعرب والتغيير والتقدم، التقدم في الموسوعة هو (التحول من حالة إلى أفضل وانتقال المجتمع البشري من مستوى إلى مستوى أرقى من حيث المقدرة الإنتاجية والسيطرة على الطبيعة والثقافة والعلاقات الإنسانية) أما موسوعة تاريخ الأفكار فتقول (إن التقدم يتضمن القول بوجود هدف أو اتجاه والقول بهدف أو اتجاه يتضمن بدوره حكماً قيمياً) ولعل هذا الأخير أفضل لاشتماله على (حكماً قيمياً) لأن ما هو أفضل عند فريق قد لا يكون أفضل عند الآخر، فالتقدم قضية قيمية.
تقدم العالم وانتقل من (الثورة الزراعية) إلى (الثورة الصناعية) ونحن في بيت الطين واللبن ولو أن حد الأسلاف شاهد مقطعاً من الحرب العالمية الأولى في ساعتها لصعق وظن أولئك (يأجوج ومأجوج) فليس له طاقة بمشهد الجيش النظامي ولا برؤية ترسانة السلاح الحديث، كيف لا والناس في تلك الأيام يسمون (الدراجة) (حصان السكن) السكن - الجن، ويظنون البرق سحراً، نحن الآن بصدد (الثورة التقنية) ومازلنا نقاوم التغيير ونخشى المجهول مع أننا نتغير شئنا أم أبينا حتى في القيم خذ مثلاً قيمة (الحرية) تعني سابقاً أنك لست (عبداً) أما اليوم فللحرية معنى أرحب من ذلك (حرية الرجل) (حرية المرأة) (الحرية السياسية).. إلخ من الحريات، ولا تتعجب من (حرية الرجل)، ففي أمريكا رابطة تنادي بحرية الرجل بدعوى أنه لما كثر الكلام عن المرأة وحريتها سحبت البساط من تحت الرجل فهو لا بد أن ينادي بحريته أيضاً.
مازلنا نقاوم التغيير ونخشى المجهول، ولنا في التجربة اليابانية مثال حي يشهد بأن تلاقح الحضارات والاستفادة من معطيات وتجارب الأمم القوية لا يعني مسخ الأمة المستفيدة، عام 1867م أظل اليابان وهي ترفض التغيير وتخاف الانفتاح، تحكمها مؤسسات إقطاعية خاضعة (للساموراي) مع وجود إمبراطور لا يعدو أن يكون رمزاً لبلد واحد، أتى عهد (الميجي) وانفتحت اليابان وأذهلت العالم بالانفجار التقني والصناعي الهائل وكانت الجودة وكانت اليابان، وبقيت مبادئ اليابان وبقيت قيم اليابان ولم يمسخ الياباني.
إذن لماذا نخاف؟ الجواب أن المحافظين منا يرون التقدميين منا غالباً يستبدلون جلودهم العربية بأخرى غربية وكأنا إما أن نكون (صحابة) أو نكون (سلولية) ولا مناص، يقول د. تركي الحمد (ولعل مما ساعد اليابان على النجاح في تجربتها أنها لم تخضع في تاريخها الحديث والمعاصر للاستعمار أو الاحتلال المباشر (عدا ما كان بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن تكاملت مقومات النهوض) بحيث كانت حرية إلى حد ما في عملية التمثل القيمي، بينما كانت (وهذا ما نريد) الأقطار الخاضعة للاستعمار المباشر غير حرة الإرادة مطلقاً وبالتالي فرضت عليها القيم والمفاهيم بمضامينها الغربية عن واقع مجتمعها دون تمثل وأصبحت بالتالي شوهاء عرجاء في مجال القيم قبل أن تصبح كذلك في مجال الاقتصاد والاجتماع) انتهى.
ذكرنا الأصول والتغير ولم يبقَ إلا الخصائص:
1- تاريخية: نعم نحن نسكن في التاريخ فعندما يتحول تاريخ مجيد كتاريخ العرب والإسلام من مشعل يضيء المستقبل إلى كهف نتعلق بسقفه ونغمض أعيننا فلك أن تتصور كيف يكون المصير في هذا العصر المشتعل يقول عزيز العظمة في بحث له: (يستند الخطاب الدارج إذن إلى مفهوم الرجوع، العودة، الانبعاث، النهوض بشيء مكتمل ولو كان منتكساً، والالتفات إلى ما كان وإعادته إلى المقدمة حيث يجب أن يكون) انتهى.
ليتنا ندرك أن التاريخ شمعة وليس كهفاً.
2- خرافية: جميع ما مر وما يمر من أحداث نكسوها جبة الخرافة ونعيش على أحلام (السيف الصمصام والحصان الأبجر) يقول وضاح شرارة: (لماذا يأخذ قلب العرب الذين ولجوا عتبة الثلث الأخير من القرن العشرين بالخفقان حالما يتناهى إلى وعيهم وقع حوافر فرس تخب في البعيد فوق كثيب من الرمال) انتهى مازلنا ننتظر صلاح الدين يحرر القدس.
أسأل أي شخص في الشارع سيقول لك: (هذي الأمور مكتوبة والله عارف إنها بتصير) نحسن قراءة آيات الوعد بخروج اليهود من أرضنا ولا نحسن قراءة وأعدوا لهم.
القوة في السابق الخيل والسيف أما اليوم فالاقتصاد فبه نال اليهود ما نالوا من امتيازات في كافة الهيئات والمؤتمرات الدولية.
3- أحادية: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) أحادية ورفض للآخر الغربي والعربي بل والذي ينتمي لنفس البلد والإقليم، يحكم العربي فلا معقب لحكمه فكيف يتطور هذا الكائن، ثقافة تزعم الفرادة والعلوية وتنكفئ على ذاتها كل فرقة خرجت في التاريخ الإسلامي تريد من المجتمع أن يكون نسخة منها وإلا فهو مارق أو متخلف، قلت ثقافة ترفض الآخر حتى ولو كان عربيا أو من نفس البلد، أحدهم نظر إلى كتاب أحد المفكرين السعوديين المختلف حولهم أيديلوجياً على طاولتي فقال بهذا اللفظ (أعوذ بالله تراك بتنحرف) لفظة (بتنحرف) تعني إني وإياه على الحق، هذا الحق لو كان قوياً لما أثر فيه كتاب، إذن الكتاب قوي وهذا الحق هش فالأفضل لي أن أتعلق بالقوي وأذر الهش وهذا ما يأباه المستنكر مع أننا في خندق واحد وكلنا يروم الحق ويراه ضالته نحن ومفكرنا القدير.
نرفض التعددية وهذا لا يلغي وجودها ويتباين موقفنا منها من الأدنى إلى الأقصى، فالأقصى قتل الآخر والأدنى رفض حواره مع أن للذميين أحكاماً عند الفقهاء ليس هذا محلها وشيخ الإسلام حاور الجميع بالكتاب والخطاب. (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة).
4- رغبوية: العرب اليوم أمة ضعيفة ليس لها سبيل إلا التسلية الوجدانية فكل حدث له تفسير وجداني وكل تأخر له تبرير وجداني، أوضح أكثر أي حدث يحدث في العالم نقول إنه نهاية الغرب وقيام العرب، كل تأخر يحل بنا نبرره بالمؤامرة الماسونية ننظر للكون كما نرغب لا كما هو، نقرأ الأحداث كما نرغب لا كما هي، العقاد في كتابه (الثقافة العربية) وضع العرب على رأس الهرم وأعطاهم عصا المعلم وأعطى الأمم كراسات التلاميذ، وللناس فيما يعشقون مذاهب. وهنا أقول: كل عربي يعرف أنه كان يسكن خيمة ويقول (ض) وكل عربي يعرف أن العالم تقدم وأنه يخاف هذا التقدم وكل عربي يعرف خصائصه ولكن (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).
تركي بن رشود الشثري