يعتلي المنبر رجل ذو هندام حسن، يبدو أنه اهتم بمظهر جسمه وملبسه قبل توجهه إلى الجامع، وجه مشرق يوقظ في أنفس المأمومين آفاق الأمل برحمة الله واستجابته لخضوعهم وامتثالهم للوقوف بين يديه سبحانه راجين عفوه ومغفرته بعد أسبوع حافل بالسعي والعمل {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} إلاَّ أن عفو المولى أوسع وأكبر من كل ما اجترحنا، يسلِّم الإمام، يبدأ خطبته باستهلال أرق من النسيم في ليلة صيفية، تشرئب الأعناق مستبشرة بفكرة أو قصة إيمانية تستحث الحواس والجوارح والأفئدة إلى إضاءات الشرع الحكيم والهدي النبوي الشريف بعبارات وجمل وفواصل يحلي بعضها بعضاً، ويكمل آخرها أولها، ومنتصفها وختامها سلسبيل من بيان يلامس شغاف القلب والوجدان فلا يملك السامع (المأموم) إلا أن ينشرح صدره لمزيد من الجرعات الإيمانية الرائعة.
قالوا: إنه في منبر آخر يدلف الإمام فاقداً البشاشة إذ إنه شحن النفس لإلقاء ما استجمع من وعد ووعيد، واستحضر من صور السعير وأهوال القبر والقيامة، والتيئيس من نوال رضا الرب إلا لمن يرى أنهم الثابتون على التفكير (المزعوم فكراً) وهو في حقيقته لا يتعدى أنماط التشدد والغلو.. يستمر في خطبته الثانية كما في الأولى حتى كأنك تلمس الملل في آذان السامعين، إلى أن تهزهم: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}، وقوموا إلى صلاتكم.