الحمد لله وحده وبعد فقد نشر في جريدة الجزيرة اليومية يوم الجمعة بتاريخ 8-7- 1429هـ خبر وفاة العالم الفذ العابد التقي الخفي الشيخ أحمد بن عبدالرحمن بن محمد بن قاسم النجدي العاصمي الحنبلي والصلاة عليه تكون في مسجد الملك خالد ويقبر في مقابر أم الحمام، كان هذا الخبر من أخبار ما يحزن ويتألم له القارئ إلا أن هذا القدر لجميع البشر ولات حين مناص فهذا حكم يجري على جميع الناس بل وجميع ذوات الأرواح بل وعلى كل ذي مادة حية حتى من الأشجار والنبات، أثار هذا الخبر ما في ذاكرتي عن الأخ الكريم والمحب الشيخ أحمد مما كنت أعرفه مما هو عليه من أخلاق نبيلة وسمات فضيلة عرفته بالسمت والخلق والتوجه الصادق لطلب العلم وملازمة العلماء وفي عام 1371هـ كان إماماً لمسجد ابن قباع في دخنة بالرياض جنوب مسجد الشيخ وكان حافظاً للقرآن الكريم يصلي صلاة التراويح من حفظة للقرآن الكريم كله وكنت أصلي خلفه لحسن قراءته وفصاحة نطقه وعذوبة لفظه وغيري كذلك من الشباب الذين يعجبون بالأئمة الشبان في صوتهم ولحنهم وطول التهجد وفي ما أظن أن سني عمره عام 71هـ بحدود 23 عاماً فيكون عمره على التقدير بعد وفاته 80 عاما إذ تكون ولادته 1348هـ غير ما ذكر في الصحيفة بأن عمره سبعين عاما وكنت حينها مع جمع من الطلبة يسكنون غرف الغرباء في مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم وكان الشيخ أحمد رحمه الله لا ينقطع عنا في الزيارة ويتواصل معنا في المذاكرة كان يهدي لنا العنب والرطب في حين مواسمه وفيما أظن أن والده الشيخ عبدالرحمن كان له مزرعة منها هذه الهدايا التي لا تنقطع عنا طيلة الموسم إذا كان الشيخ أحمد يحب المغتربين والشباب العزاب من طلبة العلم ويحنو عليهم ويهدي لهم من مقدوره ولا زلت أذكر فضيلته حين لقائي به فتلك الهدايا التي حلوة في ذلك الزمن فيتذكر ويقول الحمد لله.
وفي عام 1381هـ كنت في مصر القاهرة وبالتحديد في فندق البرلمان وفي العتبة الخضراء على بعد أمتار من جامع الأزهر وكان الشيخ أحمد بن قاسم هو ومجموعة من أهل الرياض بينهم الشيخ صالح بن راشد صاحب مكتبة الرياض وأخوه عبدالله كان له مكتبة تجارية للكتب قبل أن يتخرج ويتولى رئاسة محكمة الرياض وكذلك عبدالله بن حسين اليمني كل هؤلاء جاءوا لغرض فالراشد يتجرون في الكتب والشيخ اليمني الذي كان مديراً للمدرسة المحمدية في دخنة جاء لعلاج سمعه وصمم أذنه أما هذا الشاب إسماعيل بن عتيق جاء للسياحة وتفريج همه والاستطلاع على أحوال البلاد والعباد وكان يلبس البذلة الإفرنجية وربطة العنق إذ لا يتجاوز عمره 22 عاماً خفيف الحركة كثير الاتصالات يتلقى الأخبار ويقرأ الصحافة ويبحث عن الآثار ويغشى مجالس الجمعيات والمراكز الإسلامية وكان له اتصال بمركز أنصار السنة المحمدية في حي عابدين ويستمع للمحاضرات وما يلقى في هذا المركز من الندوات أما الشيخ أحمد بن قاسم فكانت مهمته اختيار الكتب الإسلامية لمكتبة الأمير عبدالله بن عبدالرحمن الفيصل شقيق الملك عبدالعزيز إذ كلفه الأمير باقتناء الكتب الجيد المفيدة لتكوين مكتبة بالرياض وكان الشيخ أحمد يعاتبني في كل لقاء ألتقي به في مجمع السكن. فندق البرلمان على لبستي الإفرنجية ولماذا أتزيا بالزي الإفرنجي مع وجود من يلبس الثياب في مصر فأعتذر له لأني لست متوجهاً وجهة معينة بالقاهرة كما أنت مختص بالمكتبات ودور النشر فإن السائح يتطلع ويستطلع عن كل غريب ملفت للأنظار وقفت على أضرحة الفراعنة ومقامات الأولياء كما يسمونهم من مسجد الحسين ومسجد الست زينب وكذا الجامع الأزهر بل المتاحف الثرية في القاهرة فكيف أكون بلباسي العربي زي السعودية في مثل هذه الأماكن سارت عجلة الأيام ومضت الأيام والسنون وعدنا إلى الرياض فكان الشيخ أحمد الذي لا يتجاوز يوماً واحد إلا وألتقي به في بيت الشيخ وفي مسجده وفي الطرقات ونتذاكر ونتصافح فالشيخ أحمد يعد من نوادر تلامذة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف الشيخ إذ كان هو القارئ في بيته في كل يوم وهو بعد صلاة العشاء لا يفتح الباب إلا لأحمد بن قاسم لتحضير الدرس الذي سيلقيه الشيخ غدا في المسجد كما كان الشيخ أحمد أمينا على مكتبة الشيخ محمد بن إبراهيم في منزله فمفتاح المكتبة يختص به أحمد دون من سواه من الموظفين حول الشيخ ولعل ما اتصف به أحمد من صفات تجعل الشيخ يكتنفه ويهتم به ويجعله أحد أمناء سره ولا سيما وأنه ابن العلامة عبدالرحمن بن قاسم المحب والصديق والتلميذ للشيخ محمد بن إبراهيم، اتسم الشيخ أحمد بالصمت الدائم إلا عند الحاجة والضرورة للكلام وفي نظراته وعباراته وحركاته ما تغني عن الكلام فهو يرجح العمل على القول وفي تقديري أن الشيخ اتصف بصفتين منذ فتوته الزهد في الدنيا والسمت الذي يعد من أخلاق الإسلام مع العبادة التطوعية في جميع الأعمال المشروعة من صلاة وإنفاق وبذل للمعروف، ظل الشيخ أحمد ملازماً للشيخ محمد طيلة حياة الشيخ إلى أن انشغال سماحته بالأعمال الرسمية متعددة الجوانب التي تعد قرابة 16 جهة مما جعل الشيخ يقتصر على بعض الدروس المحدودة في مسجده وبيته، كان آخر لقائي به قبل بضعة أشهر إن لم تكن أقل من ذلك في أسواق السمك بحي المربع وهو يتمتع بصحة وعافية وكلانا جاء لشراء أسماك في سوقه المركزي بالرياض حدثته وحدثني على عجل وفرح بلقائي وكاد أن يبكي من تلك الذكريات الغابرة فدعاني لمنزله وألح علي بزيارته لا سيما وأنني عرفته بنفسي إذ نسي اسمي وعرف صورتي وقد كان بين لقائي هذا به ولقائنا السابق قرابة أربعين عاماً رحم الله الشيخ أحمد وغفر له ولسلفه فإنه نشأ نشأة صالحة وتربى على أيدي العلماء الأفذاذ أبوه العالم وأخوه محمد العابد وشيخ الكل محمد بن إبراهيم الشيخ.
اطلعت على تفسير الشيخ أحمد الأثري ولعله ألف هذا ليبقى ذكره في صفوف العلماء الأموات وله ما نوى ولا أدري فيما إذا كان له جهد في التأليف غير التفسير لم اطلع عليه هذا ما أردت تحريره عن أخي وصديقي الشيخ أحمد بن عبدالرحمن بن محمد بن قاسم وفاءً ومحبة وذكرى. كفا الله عنا.
كتبته عشية يوم الجمعة 8-7-1429هـ بعد تورية المتوفى بخمس ساعات في منزلي بحي الشفاء بالرياض. وصلى الله على محمد.