العلم الحديث قدم لنا كثيراً من المبتكرات والمخترعات التي أتاحت للإنسان خدمات لم تكن تتسنى له من قبل، قربت البعيد ويسرت العسير وسهلت الصعب، وكل هذا من تسخير الله سبحانه كما قال تعالى {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (13) سورة الجاثية
قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره: أي من فضله وإحسانه وهذا شامل لأجرام السماوات والأرض ولما أودع الله فيهما من الشمس والقمر والكواكب والثوابت والسيارات وأنواع الحيوانات وأصناف الأشجار والثمرات وأجناس المعادن وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني آدم ومصالح ما هو من ضروراته فهذا يوجب عليهم أن يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته وأن تتغلغل أفكارهم في تدبر آيته وحكمه ولهذا قال ِ{إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
لسنا بحاجة إلى ذكر أمثلة تدل على كثير النعم التي امتنها الله علينا وخاصة في هذه الأزمان المتأخرة.
لكن سأقف في هذه المقالة مع تلك الخدمة التي تم اختراعها قبل سنوات قليلة وأحدثت في العالم نُقلة كبيرة، وبدأ يستفيد الصغير والكبير والذكر والأنثى دخلت البيوت والمكاتب، وأصبحت لشباب اليوم مصدراً من مصادر حصولهم على المعلومة ومصدراً لترفيهم وتسليتهم ومصدراً لقضاء الأوقات الطويلة أمام أجهزة الحاسب الآلي.
نعم إن ما يسمى بالشبكة العالمية (الإنترنت)، أتاح للبشرية الحصول على المعلومة بأسرع الطرق وأوسعها، الآن عن طريق الإنترنت يمكنك أن تقرأ القرآن الكريم وتطلع على تفاسيره الموثوقة، وعن طريق الإنترنت تتأمل في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتطلع على شروحها، وتبحث عن صحيحها وضعيفها.لقد قربت هذه الخدمة كثيراً من العلوم الشرعية والمعرفية وأتاحت لمتصفحي مواقعها كثيراً من الفوائد والمعلومات التي كان يتم البحث عنها قبل هذه الخدمة الوقت الطويل.والإنترنت الآن بات ضرورة في إكمال كثير من المعاملات المالية والإدارية كما يعلم الكثير.
هذه صور من الجانب المشرق المضيء لهذه الخدمة التي امتن الله بها على البشرية، لكن في مقابل ذلك وللأسف جانب آخر مظلم، بل بعضه حالك الظلمة، مواقع الكترونية تبث السم الزعاف تهدم الأخلاق وتكسر القيم وتفسد القلب كالمواقع التي تعرض الصور والأفلام الإباحية الجنسية - أكرمكم الله - فتصطاد الشباب فتريهم الرذيلة والفاحشة والعياذ بالله.
إن مثل هذه المواقع تعطل طاقات وقدرات شباب الأمة تجعلهم يركضون خلف الشهوة والنزوة، فتضيع الأوقات وتذهب المكتسبات، وتفقد الأمة عناصر من شبابها أسكرتهم الشهوة.
لقد ضعفت مراقبة الله سبحانه في قلوب ونفوس هؤلاء فسهلت عليهم المعصية فأردتهم في هذه المستنقع البغيض الذي تنفر منه القلوب الحية المؤمنة.
وهناك مواقع لا تقل عن سابقتها سوءًا، تستخدم اسم الدين في ترويج لأفكارها المنكرة، مواقع أسست على تشجيع العنف والإرهاب وغذيت بفتاوى التكفير والتفجير، ومقالات التحريض والتفتيت لثوابت الأمة.
مواقع تدعو لمشاقة ولي الأمر، ولعدم السمع والطاعة، تزرع الشك والظن السيئ في علماء الأمة الكبار، وتتعدى عليهم بأبشع الألفاظ وأرداها. محاولة بائسة يائسة لتفريق الأمة وإضعافها.
إن الخلل في التعامل مع الانترنت يكمن في أمرين مهمين: الأول يتعلق بكم أيها الشباب خاصة بأن لا يُجعل من هذه الخدمة أداة هدم وإفساد، ويكون ذلك لا قدر الله متى ما تجاوب أحدنا مع هذه المواقع بتصفحها أو القراءة فيها أو الاستماع لما يعرض من خلالها أو رؤية البرامج المرئية التي تقدمها حتى ولو كان ذلك من باب الفضول الذي أودى بالكثير وغرر بهم حتى جعل منهم صيداً سهلاً لمثل هؤلاء المفسدين.
ثانياً: لا مجال أبداً لأن يستمع أحد إليهم في دغددتهم للمشاعر وتحريكهم لها، وكما قال سماحة مفتي عام هذه البلاد وفقه الله في بيانه الأخير الذي أكد فيه على عوار هذه الفئة الضالة وسوء طويتهم وانحرافهم عن الطريق المستقيم، قال وفقه الله: (إن ما يصيب المسلمين في عصرنا الحاضر من تسلط لقوى البغي، وما يحصل من عدوان على الإسلام وأهله، واحتلال لبعض بلدانهم، وإزهاق أرواحهم واستباحة حرماتهم لا يكون مبرراً بأية حال للتفجير والتكفير والخروج على ولاة الأمر وجماعة المسلمين، كما أن خروج بعض الشباب إلى بعض البلدان لدعوى الجهاد يعد خروجاً على ولي الأمر، وفرصة لأعداء هذه البلاد الطاهرة لاستغلال حماس هؤلاء الشباب وعاطفتهم الجياشة وغيرتهم الإسلامية لإحراج قادة هذه البلاد وشعبها، وإلحاق الضرر والعنت بها، فالذهاب إلى تلك البلدان بدون إذن ولي الأمر مخالف للشريعة، ومفاسده كثيرة وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به) أخرجه الشيخان.
sman@alssunnah.com