تُعَد ظاهرة التضخم العالمي حالة مرضية تعاني منها أغلبية الاقتصاديات العالمية في شتى أنحاء العالم سواء دول متقدمة أو نامية، فهي حالة تشغل فكر رجال الاقتصاد، رجال السياسة، المحللين الاقتصاديين، وحتى رجل الشارع العادي، فهي من أكثر الظواهر التي يلمس أثرها مختلف الطبقات والفئات في شتى المجتمعات، وذلك لكون التضخم من أكثر المشكلات الاقتصادية التي تشكِّل خطراً حقيقياً على الاستقرار الاقتصادي لأيّ دولة، بما سببه من آثار اقتصادية سلبية على اقتصاديات الدولة، لذلك فالهدف الرئيسي لأيّ دولة هو المحافظة على استقرار الأسعار للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي بشكل عام في مختلف المجتمعات.
وتُعَد مشكلة التضخم مشكلة اقتصادية عالمية، لذا فقد أولتها العديد من الجهات المختصة اهتماماً كبيراً وقامت برصد معدلات التضخم في الدول كافة، كما عملت على دراسة هذه الظاهرة بشيء من التفصيل لمعرفة أهم أسبابها وجوانبها وأهم العوامل المؤثِّرة فيها، وسوف يتم دراسة هذه الظاهرة مع التركيز على أثرها على دول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة.
فقد أقرّت العديد من الجهات المختصة بارتفاع نسب التضخم في جميع دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة الأخيرة، حيث وصلت إلى معدّلات لم تشهدها هذه الدول من قبل سنوات طويلة، فلقد وصلت إلى ما يقرب من 6.3% عام 2007، وتختلف هذه المعدلات بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث وصلت في نهاية العام الماضي إلى نسبة 4% في البحرين، و6.5% في المملكة، و12% على سبيل المثال في الإمارات، و13.7% في قطر. وقد أرجع الخبراء أسباب ارتفاع الأسعار العالمية بشكل عام والخليجية بصفة خاصة إلى العديد من الأسباب، والتي من أهمها: ارتفاع أسعار النفط وإنفاق جزء كبير من الفوائض المترتبة عليه في تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية، انخفاض قيمة الدولار وبالتالي العملات الخليجية المرتبطة به وما ترتّب على ذلك من ارتفاع في أسعار السلع والمواد الخام ولوازم البناء والمواد الغذائية، وغيرها من السلع والخدمات المستوردة وذلك نظراً لزيادة الطلب العالمي على تلك السلع، بالإضافة إلى زيادة الإنفاق الحكومي، حيث تنفق الحكومات مبالغ طائلة في إنشاء المشاريع الضخمة، مما يؤثر تأثيراً واضحاً على زيادة معدلات التضخم، وأيضاً ارتفاع تكلفة الأجور التي يتقاضاها العمال، وغيرها الكثير من الأسباب المؤدية لارتفاع الأسعار العالمية والخليجية التي ظهرت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.
ولقد قامت العديد من الجهات المسؤولة بدراسة مشكلة التضخم من جميع جوانبها وخاصة النتائج الاقتصادية المترتبة على تلك المشكلة، والتي أوضحت أنّ أهمها يتمثل في الآتي: انخفاض المستوى المعيشي للأفراد مما ينعكس على الصحة وعلى إنتاجية الأفراد، التأثير السلبي المباشر على العائلات من ذوي الدخل المحدود مما يؤدي إلى زيادة معاناة الأسر وإثقال كاهلها بالأعباء، عدم القدرة على الادخار، لجوء بعض الأسر إلى مغادرة البلاد وانعكاس ذلك سلباً على الاقتصاد المحلي ونسبة الإنفاق، صعوبة قيام مؤسسات صغيرة ومتوسطة وارتفاع نسبة الإفلاس في الشركات والأفراد، ارتفاع نسبة البطالة، ضعف فرص تعليم وتطوير الأبناء بسبب عدم القدرة على دفع رسوم الدراسة والدورات التدريبية والتطويرية، الانصراف عن العمل والابتكار وتحقيق الطموحات والأهداف إلى سبل توفير المتطلّبات الأساسية للمعيشة وتوفير ضروريات الحياة، ظهور مواد استهلاكية بديلة ذات جودة منخفضة وضارة بالصحة مما يؤدي إلى انتشار الأمراض، زيادة نسبة الاقتراض من البنوك، عدم القدرة على الإيفاء بمتطلّبات الحياة والمعيشة الكريمة ... وغيرها الكثير من الآثار والانعكاسات السلبية لظاهرة ارتفاع الأسعار على اقتصاديات دول العالم بشكل عام وعلى اقتصاديات دول الخليج العربي بصفة خاصة، مما يؤكد مدى كبر حجم المشكلة وضرورة التفكير والتخطيط لحلها قبل أن تتفاقم آثارها.
ومن ثم سارعت الجهات المسئولة والمعنية بشأن القضايا الاقتصادية إلى تقديم حلول للتقليل من حدّة الظاهرة، ولعل من أهمها: إعادة النظر في السياسة النقدية التي تأثرت كثيراً بانخفاض قيمة الدولار، حيث يُعَد قرار رفع قيمة العملات الخليجية هو الحل الأمثل لمواجهة حالة ارتفاع الأسعار، حيث ستؤدي هذه الخطوة إلى تحسين الأحوال الاقتصادية، والعمل على تحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي من خلال المشروعات الإنتاجية المشتركة واستمرار تقديم الإعفاءات الجمركية للسلع الأساسية، وتشديد الرقابة الحكومية على الأسواق لمنع أي محاولات لرفع الأسعار، والعمل على زيادة الوعي العام لدى المستهلكين بأهمية تغيير أنماط الاستهلاك السائدة والبعد عن الإسراف في الاستهلاك، التعاون بين القطاعين العام والخاص لمواجهة هذه الظاهرة، العمل على زيادة القيود على الإقراض المصرفي الموجّه للتمويل الاستهلاكي لتخفيض الطلب الاستهلاكي المتزايد، العمل على استقرار أسعار النفط لأنّ الارتفاع المتزايد لأسعار النفط سوف يوجّه الدول المستهلكة إلى البحث عن بدائل للنفط وهذا بالطبع ليس في مصلحة الدول المصدرة، والبحث عن بدائل للسلع العالمية المستوردة التي ارتفعت أسعارها، منع الاحتكار وتشجيع المنافسة، فكلما زادت المنافسة زادت الجودة وانخفضت الأسعار، وغيرها الكثير من الحلول المقترحة التي ساهمت بتقديمها مختلف الجهات المعنية لمحاولة حل مشكلة التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي، والأمر يحتاج إلى المزيد من الجهود والخطوات لمواجهة هذه الظاهرة وتقليص الآثار السلبية الناجمة عنها.
وفي النهاية فإنه من الأهمية أن نعمل جميعاً حكومة وشعباً من أجل الحد من ارتفاع الأسعار وعدم تفاقم معدلات التضخم إلى مستوى غير مقبول مما يؤدي لآثار غير مواتية على الاقتصاد الخليجي وتنقص من إنجازاته التي تحققت عبر عقد من الزمان للخروج من تلك المشكلة بسلام وللحفاظ على سلامة الاقتصاد الخليجي واستقراره في ظل التحديات العالمية المحيطة به، لتظل اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي محافظة على مستويات نموها وطموحاتها التي تسعى إليها كدول رائدة في منطقة الشرق الأوسط.
Asa5533@hotmail.com