Al Jazirah NewsPaper Sunday  10/08/2008 G Issue 13100
الأحد 09 شعبان 1429   العدد  13100
نعم للمؤتمر العالمي للحوار..بادرة كريمة لخادم الحرمين الشريفين
مندل عبدالله القباع

ثمة صراع ضارٍ مستمر بين حضارات وثقافات وطوائف وملل، يتفجر ولا يخبو من كثرة المواقف الصدامية التي شملت دول العالم كافة، شماله وجنوبه وشرقه وغربه، قد تتوارى حيناً وتبدو عاتية أحياناً، تهدد الاستقرار، ويتصدع بفعلها الأمن والأمان بين الدول؛ حيث تنشب في عمق الكيان السياسي بما تشمله من فكر وعقيدة تنهض على مدى الوعي بالمسؤولية تجاه الواقع الإنساني مدعومة في ذلك بتصوراتها الفكرية الأيديولوجية ونظامها الاقتصادي، وبنائها المؤسسي الاجتماعي، ومبادئها السياسية، وقيمها العقدية، وتوجهاتها الانتمائية، وتصوراتها تجاه الجماعة الإنسانية.

وحول هذه الجدلية الحضارية الصراعية نتساءل: هل ما زال الأمل معقوداً على إمكانية التوافق بين الحضارات والثقافات لا صراعها وصدامها؟ والإجابة: نعم.. ما دام الأصل في العلاقات هو تحقيق التفاعل الإيجابي في سلوك الاتصال والعلاقات بغية التكامل والتعاون والتعاضد على قاعدة من التوافق المشترك.

من أجل هذه الغاية صدرت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للمؤتمر العالمي للحوار الذي انعقد بمشيئة الله في العاصمة مدريد بمملكة إسبانيا في الفترة من 13 إلى 15-7-1429هـ بما يفيد أنه منعقد الآن وبتفاعل كامل إن شاء الله.

ويبدو لنا أن عيون العالم أجمع تتطلع إلى هذا الانعقاد لهذا المؤتمر، آملة في نجاحه، وليس ثمة جدل في ذلك؛ لأن الحضارة من المنظور الواقعي هي منتج إنساني (مادي - لا مادي) يستمد منه القيم العقدية والمحاور والمعايير الثقافية والاتجاهات الاجتماعية والملكيات التوافقية.

إن نجاح هذا المؤتمر الذي يتطلع إليه العالم حيث المشاركة الفاعلة والحوار الإيجابي الهادف من قبل المشاركين فيه (مائتا شخصية تمت دعوتها من مختلف دول العالم) من كافة الانتماءات الدينية والحضارية والثقافية من أجل الحوار الإنساني الهادف لوضع قواعد وأسس التحول من سلوك الصراع إلى سلوك التوافق الراقي بما لا يخرج عن السياق الموضوعي للثوابت العقدية؛ فهي مذهبية منتجة للحضارة والثقافة، وهي أسلوب حياة يعتمد على الواقعية والعقلانية التي يمكنها التجاوب مع معطيات العصر، وهذه هي مسؤولية الريادة في هذا المؤتمر - تجاه الإنسانية - في فضاء التعددية الحضارية والثقافية، فلا مجال - مطلقاً - للاحتكارية الحضارية.

إن الحوار من أجل التوافق بين الحضارات يقضي بالطبع على نظرية (صدام الحضارات) التي من تداعياتها الخوف من صحوة الحضارات القديمة ومدها وانتشارها بين شعوبها وشعوب أخرى غيرها؛ ما يؤدي إلى انحسار قوى الظن بالهيمنة الحضارية والثقافية فيما يطلق عليه بالعالم الجديد.

ومن عبثية هذا الظن الخيالي أن الانفتاح السياسي قاضٍ على التراثية الثقافية والتراكمية الحضارية مع استدماج مفاهيمي لرؤيته في استشراف المستقبل.

فضلاً عن ظنه بأن الأسس المعرفية والأساليب العلمية والفنية والتكنولوجية ترجع إلى منهجية ذات خصوصية متميزة، كما أنها تحتل مكانة عالمية تستوجب التبعية المطلقة، وهي رؤية خيالية مقيتة.

ومن هذا الظن الخيالي السقيم أيضاً أن رفع الشعارات الزائفة - مثل شعار الحرية والديمقراطية والمشاركة السياسية - يجسد مصالح الآن وما هو آت على أساس نموذجه التقدمي، ذلك الذي يرتبط - في الواقع المعاش - بغاياته وطموحاته ومصالحه في الهيمنة والتسلط، مع العلم أن الشعارات لا تسقي ولا تغذي أحداً من الشعوب.

وفي الظن التخيلي ذاته أننا نعيش في فضاء نظري سيدفع بنا إلى عزلة ثقافية في منأى عن روح العصر، وغاب عنه أننا ندير مصالحنا بعقلانية رشيدة وليس بانفعالية أو عاطفية مقيدة، ويكفي شاهداً هذه المبادرة الطيبة الكريمة من قِبل خادم الحرمين الشريفين لإبداء الرأي والرأي الآخر في حوارية عقلانية من أجل التعايش في مناخ الوفاق السلمي وتبادل المصالح من منطلق الند بالند واحترام كل للآخر.. وقيم وثقافة ومعايير الآخر.

إنها رعاية كريمة لغاية نبيلة ومن أجل مستقبل زاهر يعمه الوفاق والتعاون والتضامن والانسجام، كانت هذه البادرة التي تعبر عن مكانة وطننا العزيز وقيادته الحكيمة التي تسعى لإرساء قواعد التواد والتحاب والتعاون كما أمرنا الله عز وجل به؛ فهو نهجنا وهو سبيلنا إلى الخير بإذن الله.

ونود أن يكون على أجندة هذا المؤتمر الحواري العالمي: كيف يتحقق التقارب الثقافي والتوافق الحضاري في ظل احترام الخصوصية والتعددية والتنوع بما لا يدعو إلى المساس بأي من الثوابت ولا يجور على القيم والمبادئ الدينية ولا بالتفريط في الحقوق الواجبة ولا بالتنازل عن هويتنا العربية، ولا نخضع للزعم القائل بالكونية أو العولماتية المعيارية. ونسأل الله أن يحقق المؤتمر ما نريد أن نصل إليه من تقارب وتوافق حضاري وثقافي بإذن الله.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد