يعيش قطاع المقاولات مرحلة حاسمة في قدرته على تلبية متطلبات المشاريع الحكومية الضخمة التي تم التعاقد عليها سابقا أو المطروحة حاليا فبعد ارتفاع كبير بالأسعار شمل جميع المواد فاقت في بعضها 100 بالمائة كان القطاع ينتظر أن تفرغ اللجنة التي شكلت لدراسة تعويض المقاولين عن ارتفاع التكاليف إلى تنظيم يغطي نسبة التضخم فيها إلا أن ما توصلت له اللجنة كان بآلية لا تعطي وضوحا بمقدار النسب التي من الممكن أن تكون مناسبة وغفل عن تكاليف العمالة التي ارتفعت أجورها بشكل كبير نتيجة زيادة الطلب من جهة والتضخم بأسعار تكاليف المعيشة من جهة أخرى كما أن القرارات الصادرة عن اللجنة شكلت تغطية نسبة بسيطة من المواد التي يستخدمها المقاولين وتركزت بأعمال التشييد على الأغلب فيما أغفلت المواد المستخدمة بقطاع الصيانة والتي تعتبر متنوعة ومتعددة حيث قدمت اللجنة الممثلة لقطاع المقاولات قوائم بأكثر من 150 مادة شملها الارتفاع وتعتبر حيوية بكل المشاريع.
والمتمعن في سير عملية دراسة التعويض يجد أن اللجنة تأخرت كثيرا في دراستها فهي مشكلة منذ قرابة العامين وفي هذا العمر الزمني الطويل نسبيا ارتفعت أسعار المواد بشكل كبير خصوصا أن هذه الفترة هي التي شهدت النسب الأعلى لارتفاع المواد فقد قفز سعر الحديد مثلا من قرابة 2000 ريال إلى مستوى فاق 5000 آلاف ريال بخلاف أغلب المعادن وقطع الغيار المستخدمة والتي تأثرت بانخفاض قيمة الريال مقابل العملات التي يتم استيراد المواد من دولها وان كنا نجهل سبب طول مدة هذه الدراسة، إلا أنه لا يوجد أسباب منطقية ظاهرة لتأخذ اللجنة كل هذه المدة فإذا كان التعويض سيحصل ولم تشكل اللجنة أصلا إلا لإقراره وتقدير نسبته فلماذا لم تحسم أمرها منذ وقت مبكر فقد كان من الممكن أن تكون نسب التعويض أقل وسرعة إنجاز المشاريع افضل وبالتالي سيكون هناك توفير كبير يسمح بتغطية تكاليف مشاريع أخرى وكذلك يعطي لقطاع المقاولات مساحة زمنية لكي يرفع من قدراته على تلبية احتياجات خطط التنمية المستقبلية.
ولا يوجد تبرير منطقي لهذا التأخير إلا البيروقراطية عموما وتعدد الجهات التي مثلت أطراف اللجنة مما يعني الكثير من الآراء والمطالب التي بالتأكيد ستأخذ كل هذا الوقت الطويل ونتمنى على وزارة الاقتصاد والتخطيط والغرف التجارية إصدار إحصائيات تظهر حجم الفروق المالية والتكاليف التي سترتفع نتيجة طول مدة الدراسات التي عملت ولم تصل إلى مستوى يلبي طموحات المقاولين بحسب رأيهم فإذا كان حجم المشاريع بعشرات المليارات عند توقيعها ونسبة ارتفاع التكاليف تمثل لا يقل عن 30 بالمائة منها الآن، فإن نسب التعويض والتأخير الذي لحق بإنجاز المشاريع بوقتها المحدد سيضيف قيمة كبيرة على التكاليف النهائية تبقى خسارة وزيادة بأعباء الميزانيات.
كما أن محدودية التعويض واقتصاره على مواد معينة وبالطريقة المعلنة سيعني تأثيرا بالغا على الوحدات العاملة بالقطاع وتقلص إمكانيتها بل وتوقف بعضها عن العمل مما يعني خسارة فادحة بنهاية المطاف لقطاع يمثل نشاطه 5 بالمائة من الناتج الوطني وستبرز الحاجة الماسة للاستعانة بشركات من الخارج ستضع التكاليف عند مستويات أعلى وستذهب بعد إنجاز المشاريع المكلفة بها دون أن تترك خلفها أي إضافة حقيقية للاقتصاد عموما لأنها ستأتي بعمالتها ومعداتها وسترحل بها بينما يشكل دعم العاملين بالقطاع محليا إضافة كبيرة لقدراتهم على تنفيذ متطلبات المرحلة القادمة من مشاريع التنمية والتي ستمتد لسنوات طويلة وهنا استذكر ما طالب السيد غرينسبان في مؤتمر جدة الاقتصادي وقدمها كنصيحة بضرورة الاهتمام بالقطاع الخاص ودعمه مستشهدا بالتجربة الصينية.
قطاع المقاولات يحتاج إلى دعم الجهات المعنية وإلى فاعلية أكبر بدور الغرف التجارية التي تمثله باللجان الموكل إليها دراسة حجم التعويض وإذا لم يتوفر هذا الدعم سيشهد القطاع تحولات جذرية في تركيبته وقد يؤدي إلى هبوط بمستوى جودة العمل والأثر سيكون بالنهاية سلبيا على الجميع.