Al Jazirah NewsPaper Sunday  10/08/2008 G Issue 13100
الأحد 09 شعبان 1429   العدد  13100
شيء من
خرافة الألقاب
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

كان علماؤنا الأوائل إذا كتبوا أو أملوا على أحد طلابهم أو كتابهم قولاً اكتفوا بعبارة: (قاله ممليه أو كاتبه الفقير إلى عفوه تعالى) ثم يذكر اسمه مجرداً. الآن اختلف الوضع، أصبح هناك تنافس على الألقاب، حتى أن بعض مواقع صغار طلبة العلم على الإنترنت، تزخر بالتبجيل والتفخيم والإطراء لذات الشخص صاحب الموقع. قد أفهم وأتفهم إذا كان اللقب يتعلق بدرجة علمية جدّ طالب العلم للحصول عليها، أما ما سوى ذلك من الألقاب والصفات فهي عادة سيئة، تنم عن زهو وإعجاب بالذات، كان الأحرى بطالب العلم الديني التنزه عنها. وأمام هذا الكم الهائل من الألقاب التفخيمية للمشايخ -التي ما أنزل الله بها من سلطان- أتساءل: هل هذه مسميات سلفية، أم أنها (بدعة) ينطبق عليها ما ينطبق على البدع الأخرى حسب الخطاب السلفي؟، رسولنا -صلى الله عليه وسلم- الذي هو قدوتنا ومُعلمنا الأول، كانت الصفة التي أعطاها لنفسه هي (محمد عبدالله ورسوله). وعندما سمع بعض أصحابه يناديه قائلاً: يا محمد، يا سيدنا، وابن سيدنا، وخيرنا، وابن خيرنا، نهاه عن هذا القول، وعلمه ماذا يقول، وقال: (أنا محمد بن عبدالله، عبدالله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل). والصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يدعون بأسمائهم، إلا من تولى منهم منصب الخلافة. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه مُعلماً ومَعَلماً في التواضع والبعد عن الزهو وهو الذي وصلت دولته إلى ما وصلت إليه، يقول: (ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه). وقال: (لا تتعلم العلم لثلاث، ولا تتركه لثلاث، لا تتعلمه لتماري به، ولا لتباهي به، ولا لترائي به. ولا تتركه حياء في طلبه، ولا زهادة فيه، ولا رضا بالجهل به). وكان السلف إذا تحدثوا عن رأي لواحد من الأئمة الأعلام يذكرونه باسمه مجرداً، فيقولون قال مالك، أو قال أبو حنيفة، أو قال الشافعي، أو قال أحمد، هكذا دونما ألقاب أو مُسميات تبجيلية، ولم يقل أحدٌ إن في ذلك (انتقاصاً) لهم كما يردد بعض الأغيلمة السذج في بعض مداخلاتهم. ويربط أبو حامد الغزالي بين التعنيف والزهو بالنفس حينما يقول: (ومن العلماء من يستفزه الزهو والعجب، فإن وَعَظ عنَّف وإن وُعِظ أنف).

وقد قيل لحكيم -كما يروي الغزالي-: ما الصدق القبيح؟ قال: (ثناء المرء على نفسه)، والسؤال: هل أدرك حكمة هذه المقولة طلبة العلم من أصحاب المواقع على الإنترنت الذين أغدقوا على أنفسهم الألقاب والمسميات المصطنعة؟.

وقد تسربت هذه الألقاب والمسميات المصطنعة -فيما أرجح- من دولة بني عثمان إلى الثقافة العربية، فقد كانوا يهتمون بتفخيم وتبجيل وتقديس وإطراء مشايخهم مثلما كان يفعل رجال الكنيسة في أوروبا مع كهانهم وأحبارهم. ومازلت أتساءل ولا أجد جواباً: لماذا قبل علماء السلف المعاصرون مثل هذه الألقاب رغم أنها خروج عن نهج السلف؟.

ولعل في هذه العجالة (المؤصلة) ما يكفي لإثبات أننا عندما ننزع عن فقهائنا في حواراتنا معهم بعض هذه الألقاب والصفات (الكهنوتية) المصطنعة، أو لا نهتم بها كثيراً، فإننا نمارس ما كان يمارسه آباؤنا قبل أن يصبح اللقب (مظهراً) اجتماعياً خداعاً في حد ذاته.

إلى اللقاء.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد