كان الحديث موصولا مع الدكتور الباز حول قضايا الصحراء التي هي جزء من النظام البيئي العام لكوكب الأرض، ومن المعلوم أنه عندما يتعامل الإنسان مع نظام بيئي ما بطريقة غير سوية فالنتيجة الإخلال بالنظام نفسه ومكوناته، مما ينتج عنه.
ردود فعل ليست في صالح الكائنات التي يحتويها النظام، ويرى الباز أن ظاهرة الغبار التي تتكرر حدوثاً أكثر من أي وقت مضى، تعود إلى فعل الإنسان بالأرض، وعلى وجه التحديد بسبب ما فعلته الآليات المستخدمة في حرب الخليج الثانية وغزو العراق.
ولقد كتب الباز مقالا بعنوان: (غضب الصحراء من حرب العراق)، نشر في مجلة البيئة والتنمية الصادرة في شهر يونيو 2008م وتتطرق المقالة إلى العواصف الترابية في عدد من دول الخليج إضافة إلى العراق، وبخاصة في العام الماضي وهذا العام، وبعد حرب الخليج الأولى في عام 1991م عانت الكويت من تلوث في البيئة نتيجة لحرق آبار النفط ولم يقف الأمر عند ذلك، بل بدأت ظاهرة العواصف الترابية تلوح في سماء عدد من دول شبه الجزيرة العربية، ويعود السبب، حسب رأي عدد من المتخصصين ومنهم الدكتور الباز، لحركة الآليات العسكرية التي كشفت الأتربة دقيقة الحجم لمهب الريح، مما نتج عنه العواصف الترابية العظيمة.
وتتميز الصحاري العربية بوجود طبقة من الصلبوخ، وهو الحصى المكون من حبات صخرية صغيرة مستديرة في حجمها تعمل على تثبيت ما تحتها من تربة، أما إذا ما أزيلت هذه الطبقة فإن التربة التي أسفل منها تتعرض للانكشاف ومن ثم للتعرية والحمل من قبل الرياح إلى طبقات الجو العليا، ويذكر الباز أن هذه الصفة للصحاري العربية تشمل امتداداً من المغرب العربي وحتى دول الخليج العربية، أما ترسيب طبقة الصلبوخ فكانت نتيجة للحمل النهري خلال عصور مطيرة في الماضي البعيد.
والأودية العظيمة في شبه الجزيرة العربية، وفي مقدمتها واديا الرمة والباطن، عملت على ترسيب مواد الصلبوخ في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة حتى حدود الكويت الجنوبية الغربية، ولقد شكل وادي الباطن المتجه إلى الشمال الشرقي، دلتا عظيمة كونت رواسبه جميع مساحة الكويت وما يجاورها.
ونتيجة لتغيير المناخ وقلة الأمطار وجفاف الأودية، إلا في مواسم محددة تعرضت الترسبات النهرية لعوامل التعرية والنقل بواسطة الرياح، التي تهب باتجاه شاملي جنوبي في معظم العام، وتبعاً لأحجام مكونات التربة الصحراوية، حسب ما يذكر الباز، ترفع الحبيبات الصغيرة الحجم (أقل من 0.02 مليمتر) في الهواء بواسطة الرياح وينتج عنها العواصف الترابية، أما الحبيبات متوسطة الحجم (ما بين 0.02 و2 مليمتر) فتتحرك مع الرياح بالقرب من سطح الأرض وتتكون منها الكثبان الرملية، أما الحبات الأكبر حجماً فتبقى على سطح الأرض وتثبت التربة الأسفل منها.
وتظهر المرئيات الفضائية منطقة في صحراء العراق الغربية، عبارة عن مثلث يبدأ رأسه من مدينة الموصل وقاعدته بين بحر الملح وبلدة الرتبة جنوب غرب منطقة الرمادي، ويذكر الباز أن هذه الصحراء ممثلة في سطحها تشبه إلى حد كبير السطح المكون للأراضي الكويتية، سطح مغطى في معظمه بطبقة من الصلبوخ، ولا تزال الآليات العسكرية الأمريكية تجوب هذه المنطقة من العراق، ويذكر الباز بحسرة: أنه كلما نقلت وسائل الإعلام خبراً أو صوراً للقوات العسكرية، التي تجوب هذه المنطقة الكبيرة من العراق انتظرت ضرراً بيئياً طويل المدى ينذر بأن حركة السيارات والدبابات تدهور طبقة الصلبوخ الواقية، ويؤلمني هذا لعلمي بأن تلك العمليات العسكرية، سوف تنتج عنها عواصف ترابية على مدى عقود من الزمان، حتى تعود طبيعة الأرض إلى ما كانت عليه قبل الغزو. والسؤال المطروح هل من حل للمشكلة؟ وهل يتعلم الإنسان من أخطائه التي يرتكبها جيلا بعد آخر؟ الباز يذكر أنه بعد حرب الكويت أتيحت له الفرصة للالتقاء بقائد القوات الأمريكية آنذاك، الجنرال كيلي، واقترح عليه نشر الصلبوخ في المناطق المهددة بالتعرية، وأبدى أسفه على ما حصل من نتائج هذه العمليات، وقال: كان بالإمكان عمل ذلك قبل مغادرة 90 في المائة من المارينز، أما تأثيرات العواصف الترابية على الإنسان فمعلومة، سواء ما كان في مداها القريب أو البعيد، أعان الله إنسان هذه المناطق وحماه من كل سوء، إنه سميع مجيب.