{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. أتقدم بأحر التعازي إلى والدي وعمي وعماتي وكافة أسرتي بوفاة عمتي الغالية (حصة) رحمها الله.. كما أخص بالعزاء زوجها الشيخ إبراهيم بن سعود النجيدي وأبناءه وبناته. وما هذه إلا رسالة بسيطة حاولت تسطيرها لعمتي الغالية - رحمها الله -.
حين يبكي القلم.. رغم أشلاء نفسي المبعثرة.. رغم دموعي الثكلى أحاول أن أكتب.. أن أعبر.. أن أخرج شيئاً مما يدور في نفسي.. ويح قلبي.. كيف له أن يهدأ.. كيف لدمعي أن يجف؟ فعلى مثل عمتي (حصة) فلتبكِ البواكي.. هكذا عليّ أن أصارع أمواج الأسى.. وأن أدرك الحقيقة.. لم يعد في الوجود ذلك الصوت الهادئ.. غادرَته تلك النفس الزكية.. بعد صراعات مع المرض.. غاب عنّا ذلك العقل الحكيم.. كيف لي أن أتخيل أن عمتي لم تعد من عالمنا..؟
تركت حياتنا بحلوها ومرها.. سبقتنا إلى البرزخ.. ايه يا عمة.. لا أعلم بما أناديك.. عمتي.. أمي.. جدتي.. كلها لك.. بل أكثر.. عمتي.. عمود من أركان عائلتي قد انهار بوفاتك.. هو الموت يا عمة..
لا يعرف صغيراً ولا كبيراً.. لو كان لنا من الأمر شيء لفديناك.. ولكن لا مفر!!
عمتي.. أخاطب روحك الزكية.. أناجيها.. أعلم أنكِ لن تجيبيني.. أعلم أن صدى صوتي سيرتد إليّ.. فلم يعد فوق السرير أحد!!
عمتي.. برّك بجدتي لا يزال محفوراً في ذهني.. نعم.. كنت صغيرة.. ولكني أدرك.. حين صحوت من النوم ذاك الصباح.. نزلت ورأيت منزلنا يعج بالناس.. قالوا إن جدتي قد فارقت دنيانا.. لم أكن أعرف معنى الوفاة.. ولكن حين رأيت وجهك الذابل عرفت أن كأس الفراق مذاقها مرّ.. وها أنتِ اليوم تجرعيني إياه!!
عمتي.. كنت ولم أزل.. لا تحلو لي جَمْعَة إلا حين أراكِ.. كعادتهم الكبار كانت فيهم بعض الأنانية.. دوماً يأمرونني بأن أذهب وألعب مع الصغار.. كنت أرفض.. فأنا لا أريد أن أَحرم من (سوالفكِ).. ليس شرطاً أني أفهم مغزى الكلام.. ولكن أسلوبك في الحديث يأسرني.. حركة يديكِ تستهويني.. عندما نلعب..
كنت أصر على تقمص دوركِ.. فأنا العمة حصة التي يحبها الصغار والكبار.. فأحكي لهم.. أقلدكِ.. ودوماً ينتهي لعبنا بجرح في يدي.. أتعلمي لمَ؟ لأني أقطع الفاكهة بيدي اليسرى مثلك فينقلب الأمر عليّ!
عمتي.. كم كنت أتلذذ بزيارتكِ إلينا.. لم تكوني تنسي الصغار من عطائك.. فلا بد أن تغدقي على من تزوري بالحلوى.. حين نزوركِ.. كنّا نتلكأ في الخروج.. كلٌ منا يريد أن يكون الأخير ليظفر بأكبر قدر من العطاء!!
عمتي.. كبرتُ وكبر حبي لكِ.. وازددت إعجاباً بحكمتكِ.. دوماً أدعو الله أن يجعلني مثلكِ.. أن يهبني مثل سداد رأيكِ.. صبرك.. حلمكِ.. عطائكِ.. عبادتكِ..
عمتي.. آثار قدميكِ على مصلاك تنتظر تجديدكِ.. تنتظر انتصابكِ عليها.. تنتظر أن تبتل بدموعكِ التي اعتادتها كل ليلة..
عمتي.. من سيجيب حنين سجادتكِ؟ من سيسامرها كل ليلة؟ من سيقدر على طيها؟
عمتي.. ماذا ترى باب الفتح في الحرم يقول الآن.. فها هو رمضان قد أقبل.. والباب ينتظر دخولكِ.. كما اعتاد في كل رمضان.. كان يراك تمرين به كل يوم.. من أول ليلة.. إلى أن تتمي صيام الست.. أتريه ينساكِ؟! كلا.. إنه ينتظركِ.. يحن إليكِ!
عمتي.. لن أنسى صوتك الذي يغالب دموعكِ.. حين اتصلتِ تهنئيننا بقدوم فهد.. إنها أسعد تهنئة.. كدت أغلق السماعة.. رأفة بكِ.. فحالتكِ لا تحتمل ذرف الدموع.. لا تحتمل الاتصال.. بالكاد كنت أفهم كلماتك..
صوتك واهن.. وشهقاتكِ قوية!!
عمتي.. لا أنساكِ حين قلت لي في الهاتف: (بنيتي.. الله ما يضيع أحد.. الله هو اللي رد يوسف ليعقوب)..
عمتي.. كم مرة تمنيت أن يصلى عليكِ الجمعة.. كم مرة حدثتني بذلك.. حتى في مرضكِ.. كنتِ تسألين عن اليوم.. في السبت السابق لقدركِ.. صحوت من غيبوبتكِ.. سألتِ: (ما اليوم؟) قيل لكِ إنه السبت..
تنهدت وقلت: (فاتت عليّ الجمعة)..
عمتي.. هنيئاً لكِ.. ها قد صُلي عليكِ في الجمعة التالية.. وأسأل الله الذي حقق لكِ هذه الأمنية أن يحقق لكِ كل أمانيكِ.. وأن يسعدكِ ويرضيكِ..
عمتي.. إن ما يخفف مصابنا بعد الله.. ذريتكِ.. البارة.. الصابرة.. جعل الله أبناءهم يبرون بهم.
-القصيم - بريدة