في الأيام القريبة الماضية فقد الوسط العلمي الثقافي والشوري علماً من أعلام العلم والثقافية ورجلاً من رجالات المملكة الذين لهم بصمات واضحة في القيادة الإدارية وفي القدوة الحسنة في الصدق والأمانة والإخلاص والوقوف عند حدود الله، وله إسهامات عديدة في أعمال البر ورعاية المحاويج وفي تأسيس جمعيات النفع العام. ذلك هو معالي نائب رئيس مجلس الشورى الأستاذ محمود طيبة طيب الله ثراه وجعل الجنة منزله ومثواه وجمعنا به في دار الخلد ومستقر الأولياء.
عرفت معالي الأستاذ المهندس محمود طيبة بذكره الحسن وإسهاماته في وجوه الخير والبر قبل أن ألتقي بشخصه، وقبل أن أعرفه عن قرب، وقرأت ما كتبه عنه الأستاذ الدكتور غازي القصيبي في أحد كتبه عن مواقفه في الصدق والأمانة ورفضه للكسب الحرام وإعلان موقفه من المفسدين في الأرض. وعرفته بعد ذلك في مجلس الشورى كعضو من أعضائه الفاعلين بمشاركاته المتكررة في المداخلة على ما يطرح للنقاش في المجلس ولاسيما ما يتصل بالأمور الشرعية والعلمية والفنية وما يخدم المصلحة العامة وما يظهر فيها من صواب الرأي والغيرة على الدين والرعاية للصالح العام.
وعرفته أكثر من خلال اشتراكي معه في لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان، وعرفت فيه الأدب الجم والخلق الرفيع واحترام العلم وأهله وصدق لهجته فيما يطرحه من آراء وأفكار. وعرفت فيه الشجاعة في الحق ومحبته للصراحة في القول وحسن تقويمه للمواقف وتأييده للرأي الصائب. حضر إلى المجلس في إحدى دوراته شخصية هامة تمثل دولة عظمى ذات أثر في السياسة الدولية والتقي بلجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان ولديها أسئلة تتعلق بالإرهاب والموقف منه وبحقوق الإنسان ودور المملكة في الإسهام فيه. وتناول أعضاء اللجنة الإجابات على ما يطرح من أسئلة ووجهوا له بعض الأسئلة وكانت إجابات الأستاذ محمود طيبة من أسدّ الإجابات، وقد داخلت على موضوع الإرهاب بقدر من الصراحة والوضوح التي لم يستحسنها بعض أعضاء اللجنة وبعد انفضاض الجلسة جاءني الأستاذ محمود طيبة في مكتبي وشكرني على مداخلتي في تلك الجلسة وأثنى على حسن عرضها وعلى مضامينها وقال لي: لا تلتفت إلى من لم يستحسنها فهي كلمة حق قدمت بطريقة جيدة ومهذبة فجزاك الله عليها خيراً. وعرفته بعد ذلك قارئاً ومتابعاً لما ينشر في الصحف المحلية والخارجية وللكتب التي تطرح أفكاراً مهمة يتداولها الناس سواء كان لحسنها أو لسوء ما فيها، وكان رحمه الله يبعث لي بين الحين والآخر ما يرى أهمية الاطلاع عليه واستمر على ذلك حتى انشغل بنيابة مجلس الشورى.
وقد تركت هذه المعرفة بالمهندس محمود طيبة في نفسي له محبة وتقديراً لا يوصفان واعتبرت أن فقده في هذه الفترة التاريخية خسارة فادحة في وقت الأمة أحوج ما تكون فيه إلى مثل هذه النوعية من الرجال العلماء الصلحاء الأكفاء العاملين في خدمة دينهم وأمتهم بإخلاص وصمت. فخسارته اليوم خسارة كبيرة على كل مستوى ولكن لابد من الرضا بالقضاء والقدر وتحمل ألم المصيبة في فقده، فجزاه الله عن خدمة هذه الأمة خير ما يجزي عباده الصالحين وأسكنه فسيح جناته وجعل الصلاح والفلاح في عقبه وذريته وأسكنه فسيح جناته إنه سميع عليم، وعلى كل شيء قدير، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
-عضو مجلس الشورى