الخدمات التمريضية لها تاريخ ومسيرة طويلة لكل شعب من شعوب العالم. وكان الطب والتمريض عند العرب قبل الإسلام خدمة يقوم بمزاولتها شخص واحد حيث ارتكزت هذه الخدمات على المتوارث عليه من الطب الشعبي، وتعتبر مهنة التمريض من أقدم المهن في الإسلام حيث اتفق الباحثون في مجال التمريض على أن التمريض في الإسلام بدأ في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما شارك المرأة في العمل الاجتماعي وسمح لها بالقيام بخدمة المجتمع وكان لها دور كبير في مجال التمريض. كتبت الدكتورة جان رأفت الباحثة في تاريخ التمريض في الإسلام مقالاً عن رفيدة الأسلمية تثبت أنها أول ممرضة بالإسلام، وذكرت في المقال أن السيدة رفيدة كانت قبل إسلامها تساعد أباها سعد الأسلمي الذي كان يمارس الطب الشعبي في المدينة المنورة في القرن الحادي عشر، ومن خلال مساعدتها أبيها أسست رفيدة مهارات وقواعد التمريض. ومن هذا المنطق فإن مهارة التمريض تطورت بتطور الطب.
وتكمل الباحثة قولها: عندما عرفت رفيدة برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أسلمت وبعد ذلك سمح لها النبي محمد صلى الله عليه وسلم بمزاولة مهنة التمريض. المعروف عن رفيدة الأسلمية أنها كانت تتصف بالأخلاق والصبر والإخلاص في العمل. ولضرورة إدراك أهمية هذه الصفات الإسلامية التي تعتمد عليها مهنة التمريض فإنني أعتبرها من الأساسيات التي لا يستطيع من يمارس مهن التمريض التعامل مع البشر بدونها وذلك بسبب العقيدة الدينية بين الخالق عز وجل والمخلوق. وبذلك استطاعت رفيدة أن تكون مثالاً نموذجياً لتعليم المرأة المسلمة لهذه المهنة الإنسانية والتي من خلالها كان لرفيدة الدور الكبير بالتعليم والتثقيف وتدريب النساء على خدمة المجتمع تحت تعاليم الإسلام التي أمر بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ومن خلال أعمال هؤلاء النساء المؤمنات تبين لنا مفهوم العلاقة والترابط الوثيق بين التمريض وبين العقيدة الدينية الذي يتوجب على من يقوم بهذه المهنة الإيمان بالله سبحانه وتعالى إيماناً قوياً لكي يستطيع أداءها على خير وجه.
ولعلاقة هذه المهنة الإنسانية الاجتماعية في حياة البشر من الولادة حتى الوفاة، ولحاجة المجتمعات لهذه المهنة الإنسانية النبيلة فإنها تطورت مع تطور الطب وتتقدم مع تقدم الحضارات حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ وعنصراً مهماً وفعالاً في الرقي بالمستوى الصحي لجميع أفراد المجتمعات في كل شعوب العالم. ولأهمية مهنة التمريض في تقدم الحضارات ودور الممرض أو الممرضة الفاعل في الخدمات الاجتماعية وخاصة في المحافظة على صحة الإنسان والعناية به وحمايته بعد الله من الأمراض، بادرت الدول المتقدمة برفع مكانة التمريض المهنية والعلمية والثقافية والمعنوية وأنشأت المعاهد ومن ثم الكليات وبعدها الجامعات، ولم تكتف بهذا الحد بل استطاعت من خلال البحوث العلمية الرائدة في هذا المجال أن تكون في سباق للوصول إلى المعرفة المثمرة التي كان لها الأثر في تحقيق الكثير من الإنجازات للارتقاء بمهنة التمريض وتطوير مواقع ضعف العاملين وإعادة تقييم البرامج والمقررات الدراسية ومواكبة التطور العلمي والتقني لتتناسب مع متطلبات المجتمع والعصر الحديث، حتى إنه في بعض الدول في وقتنا الحاضر وخاصة في أستراليا يقوم الممرض أو الممرضة بأعمال الطبيب كالكشف والتشخيص والعلاج.
وعلى الرغم من أهمية وحاجة الوطن للتمريض فالحاجة إلى البحث العلمي في وقتنا الحاضر أصبحت ماسة. إن تاريخ وتطور الخدمات الصحية بالمملكة وخاصة خدمات التمريض جدير بالاهتمام والبحث، فالخدمات التمريضية تعتمد على الرعاية المتكاملة للأفراد والأسر والمجتمعات في الصحة والمرض، بهدف تحسين مستوى الصحة والمحافظة عليها من الناحية البدنية والنفسية والاجتماعية والوقائية من الأمراض ورعاية المرضى ومساعدتهم. حيث يعتبر التمريض العنصر الأساس الذي يعتمد عليه الفريق الصحي نحو تحقيق أهداف الرعاية الصحية الكاملة للفرد بما يتماشى مع مبادئنا وقيمنا الإسلامية، ولتحقيق هذا الهدف فإن تطبيق البحوث العلمية لخدمة مهنة التمريض في المملكة يحقق للممرض أو الممرضة الممارس للعمل التمريضي الذي اندمج في واقع المهنة وسيلة للاتصال بالواقع العملي والتطور العلمي واكتساب المعلومات لتطوير الخطط التعليمية والمناهج الدراسية وفق الاحتياجات العلمية والعملية لمهنة التمريض وتأهيل العاملين في هذا المجال والوقوف على متطلباتهم والعمل على حل المشاكل التي من الممكن أن تكون العائق أمام التمريض السعودي والتي من خلالها سيساعد إن شاء الله على تطوير المهنة في كل مراحلها العلمية والعملية للرقي بمستقبل التمريض السعودي.
-طالب دكتوراه - جامعة موناش - أستراليا
fahadli@hotmail.com