Al Jazirah NewsPaper Friday  01/08/2008 G Issue 13091
الجمعة 29 رجب 1429   العدد  13091
فجر قريب
ضحايا لا بواكيَ لهم
د.خالد بن صالح المنيف

عنفٌ لم تحشد الجيوش لمحاربته، ولم تؤسس الجمعيات لمناهضة مرتكبيه ولم تنتصر جمعيات حقوق الإنسان لضحاياه.. هو باختصار عنف ضحاياه لا بواكي له هو لا يقل بشاعة عن العنف الجسدي والجنسي.. أثاره مدمرة ونتائجه مخيفة على الفرد وعلى المجتمع..

عنف لا يجبر كسره ولايندمل جرحه ولا يرأب صدعه.. عنف لايبقى معه التأسي ولا يواتي معه الصبر ولا يمكن بحال السكوت عنه سقوني وقال لاتغني ولو. سقوا جبال سلمى ما سقيت لغنتِ.

في استبانه أجريتها سريعة على ما يقارب من 100 شخص مؤهلاتهم من الجامعي فما فوق وجدت أن مانسبته 80-85 قد وقع في أتون هذا العنف وتورط في ممارسته للأسف.. والإشكالية أنهم سائرون في ممارسة هذا اللون من العنف بلا أي وخز من ضمير أو تأنيب من عقل!

هذا العنف الذي أقصده هو ذلك السلوك اللفظي السيئ الذي يتوجه لهوية وشخصية وكيان الصغار حيث التحطيم المقنن والإذلال المدروس!

ومن خلال الاستبانة وجدت أن قاموس القهر غالباً ما تتردد فيه تلك الكلمات ( ياحمار - يافاشل - ياغبي - ياضعيف - ياليتني ما جبتك - ياولد الشوارع - يا قليل الأدب - ياكسلان - أنت ضعيف الشخصية) وغيرها من النعوت الجارحة والصفات البذيئة!

ولن أنسى ذلك الأستاذ الجامعي الذي أباح إلي بسره قائلا: بالرغم من الوجاهة الاجتماعية (والدال) التي تسبق اسمي إلا أنني في قرارة نفسي شخص محطم ضعيف مسلوب الإرادة وقد عزا السبب لوالده - رحمه الله - الذي اعتاد على إهانته وإذلاله أمام الكل مما ولد ذلك الشرخ الكبير في شخصيته وفي تراثنا العظيم ما يؤسس لنظرية (السلوك لا الهوية) كما جاء في قوله تعالى{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ}ولم يقل لكم!

وكما تبرأ الحبيب صلى الله عليه وسلم من تصرف لخالد بن الوليد عندما قال :اللهم إني أبرأ لك مما عمل خالد ولم يقل ابرأ من خالد!

وبتأمل في حالة هؤلاء الآباء وما دفعهم لممارسة أمثال هذا العنف وجدت سببين هامين:

1 - الجهل بعواقب الأمور وعدم استشراف عتمة المستقبل والأثر الذي سوف تخلفه تلك الكلمات! الأولى.

2 - بعضهم لربما استصحب تربية والده له وأخذ يسحب تربية والده له في تربيته لأبنائه، وآخرون تجدهم يتصرفون من باب التنفيس عن غيظهم من أولادهم لذا فهم في الحقيقة ينتقمون لذواتهم ولا يعدلون سلوكاً.

- دراسة خطيرة في دراسة لأحد علماء النفس يقول فيها إن 94% من الناجحين في الحياة هم الذين يملكون عن أنفسهم صورا ذهنية إيجابية!

لدى مارتن سليجمان عالم النفس الشهير مصطلح اسماه (اليأس المكتسب). ويقصد به حالة اليأس التي يكتسبها الشخص حال تكررت حالات الفشل والإخفاق عنده وأنا هنا أجزم أن هؤلاء الصغار الذين يمارس معهم هذا النوع من العنف ومع تكراره فإنهم سيصلون لمرحلة احتقار الذات والاعتقاد بأن الآخرين أهم وأفضل منهم أو ما أسميه (بالدونية المكتسبة).. حصاد الهشيم.

إن سكوت المجتمعات عن قضية حاضرة وزعم البراءة من علة أمست حالة مزمنة بين أفراده و التغطية على أحد أشد أنواع العنف ضراوة والسكوت عنه يعتبر عاهة اجتماعية خطيرة إن مجتمعاً يمارس عليه مثل هذا النوع من العنف سيتحول إلى قطيع من العبيد الأذلاء مسلوبي الإرادة واهني القدرة محطمي النفوس وتراهم يختارون أقبح السلوكيات وأبشع التصرفات وهذا أمر متوقع وبحسب النعوت التي كررت عليهم سيرون أنفسهم فالغبي لن يتعب نفسه بالتفكير والاجتهاد وقليل الأدب سيتجه لقبيح الأفعال ولاشك.

***

ومضة قلم

كن أنت التغير الذي تريده للعالم

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7515» ثم أرسلها إلى الكود 82244



khalids225@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد