مرّ معنا في الأسبوع الماضي قصة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لما عبر في حضرته - صلى الله عليه وسلم - ثم قال له - عليه الصلاة والسلام، بعد أن سأله الصديق - رضي الله عنه - عن إصابته وخطئه، قال له: (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً).
والسؤال الذي يحتاج منا إلى جواب: فيما أصاب الصديق - رضي الله عنه - وفيما أخطأ في تفسير تلك الرؤيا؟!.. كثر كلام أهل العلم في ذلك؛ فقال القسطلاني في (عمدة القارئ: 24 م170): أما الذي أصاب فهو تعبير أن تكون الظلة نعمة الإسلام.. وأما الذي أخطأ فاختلفوا فيه فقال المهيب: موضع الخطأ في قوله ثم يوصل له. وقال الإسماعيلي: الخطأ هو أن الرجل لما قصَّ على النبي رؤياه كان النبي أحق بتعبيرها من غيره؛ فلما طلب أبو بكر تعبيرها كان ذلك خطأ، وهذا نقله الإسماعيلي عن ابن قتيبة ووافقه على ذلك جماعة وتعقبه النووي تبعاً لغيره؛ فقال: هذا فاسد؛ لأنه قد أذن له في ذلك؛ فقال له: عبر. قيل: فيه نظر؛ لأنه لم يأذن له بنداء بل بادر هو؛ فسأله أن يأذن له في تعبيرها؛ فأذن له؛ فقال: أخطأت في مبادرتك لسؤال بأن تتولى تعبيرها لا أنه أخطأت في تعبيرك، وقيل أخطأ في تفسيره لها بحضرة النبي، ولو كان الخطأ في التعبير لم يقره عليه.
وقال الطحاوي: أخطأ لكون المذكور في الرؤيا شيئين العسل والسمن ففسرهما بشيء واحد، وكان ينبغي أن يفسرهما بالقرآن والسنة، وقيل أراد بقوله أخطأت وأصبت أن تعبير الرؤيا مرجعه الظن والظان يخطئ ويصيب. وقال الكرماني: فإن قلت لم يبين رسول الله موضع الخطأ فلم تبينون أنتم؟ قلت: هذه احتمالات لا جزم فيها أو لأنه كان يلزم في بيانه مفاسد للناس واليوم زال ذلك.
وقال آخرون الخطأ وقع في خلع عثمان لأنه ذكر في المنام أنه أخذ بالسبب فانقطع به وذلك يدل على انخلاعه بنفسه، وفسره الصديق بأنه يأخذ به رجل فينقطع به ثم يوصل له فيعبر به، وعثمان قد خلع قهراً وقتل وولي غيره؛ فالصواب في تفسيره أن يحمل وصله على ولاية غيره من قومه.
والأولى السكوت في تعيين موضع الخطأ بل هو الواجب لأنه سكت عن بيان ذلك مع سؤال أبي بكر رضي الله عنه: لا تقسم. قال الحافظ أبو بكر بن العربي: (سألت بعض الشيوخ والعارفين عن تعيين الوجه الذي أخطأ فيه أبو بكر؛ فقال: من الذي يعرفه؟! ولئن كان تقدم أبي بكر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - التعبير خطأ، فالتقدم بين يدي أبي بكر التعيين خطأ أعظم وأعظم، فالذي يقتضيه الدين والحزم الكف عن ذلك).
قال ابن حجر: (قلت: وجميع ما تقدم من لفظ الخطأ والتوهم والتأديب وغيرهما إنما أحكيه عن قائله، ولست راضياً بإطلاقه في حق الصديق) رضي الله عنه.
أخيراً أحبتي.. مقالنا القادم سنقطف معكم فيه جملة من الفوائد لهذا الحديث الشريف الذي له أهمية كبرى في علم التعبير والتفسير إن شاء الله تعالى.. حفظكم الله بحفظه ووفقكم.
***
وقفة :(يعطس في وجه صديقه)
** رأى شخص في منامه أنه يعطس في وجه صديق له؛ فسأل من يفسرها له فقال: أنت رجل صريح وواضح في حياتك ويبدو أنك ستختلف مع صديقك ويكون الحق معك وليس معه فلا تجامله بل صارحه واتركه لسوء خلقه.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 9702 ثم أرسلها إلى الكود 82244