الإنسان مدني بطبعه يميل إلى التواصل والتقارب مع الآخر، ويزداد هذا التقارب والتواصل إذا كان هناك أطر عامة مشتركة تعمل على تقريب وجهات النظر وإيجاد أرضية تفاهم واحدة.
وهذا التواصل في العادة ما يكون لهدف نبيل يسمو الإنسان لتحقيقه في حال وجود نوايا حسنة وغايات نبيلة يسعى لتحقيقها وبلوغها وذلك عبر الطرح الإيجابي والتعبير البليغ البعيد عن الولوج في دهاليز فلسفية لا طائل منها.
وفي المقابل تنعكس الصورة في حال وجود نوايا سيئة وغايات كارثية على المجتمع عبر طرح يأخذ الصفة الفلسفية في استعراض للمفردات اللغوية وفي جدل لا طائل منه إلا للجدل.
وهنا يتمحور حديثنا حول مفردة الجدل ومما ورد في الجدل أنه اللدود في الخصومة والقدرة عليها والمجادلة هي المناظرة والخصومة ومقابلة الحجة بالحجة. وفي الحديث (ما أوتي الجدل قوم إلا ضلوا)؛ والمراد هنا الجدل على الباطل، أما طلب المغالبة به لإظهار الحق فإن ذلك محمود لقوله تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. وهذه المعاني وغيرها تكشف حالة من التجسيد لصراع بين عقلين ينتميان إلى تصورات متباينة، وهو صراع يتجاوز شكله الذي يبرز فيه ليبقى الأهم وهو المبدأ الذي يسعى إليه.
وإذا كان حسم الصراع أو تجميده يتم عبر مظهر اللغة، فإن إيديولوجية اللغة وما تختزنه من مواقف هو الأمر المهم في قضية المجادلة. فالجدل بلغة غير بليغة لا يؤدي إلى سمو المنطق وجلاء الغاية ووضوح التصور، بل إن المجادلة البليغة تقتضي أن تكون بليغة في بيانها، وحجتها، ومصداقيتها، وإن ما يبهت العقول ويحملها على الإذعان ليس أكثر من توظيف العبارة بوعي يكشف أهمية المجادلة في تحقيق كسب ذاتي أو موضوعي. فقضية المجادلة هي قضية موقف بالدرجة الأولى.
وهنا نتوقف مع الطرح الإعلامي الذي يتسم بالجدل ويغلب عليه تناول منعطفات نفسية ذاتية للكاتب بطرحها عبر وسيلة إعلامية كالصحافة إذ من البديهي أن نعرضها للتحكيم من خلال معايير سامية وأطر يتفق عليها العقلاء من أهل الاختصاص ليتم تحكيمها بشكل جلي وتحليلها لأي الاتجاهات تسير هل هي للجانب الإيجابي الذي يسمو لمصلحة المجتمع أم الجانب السلبي الذي يؤدي لإعاقة تقدم المجتمع.
وفي هذه الأثناء نرى أننا بحاجة لتطبيق مثل هذه المعايير على ما يتم طرحه عن جهاز رائد بحق من رواد المجتمع يقع في إطار منظومة الضبط الأمني في المجتمع ويعول على التعاون معه تحقيق خيرية الأمة التي قال الله تعالى عنها: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} ألا وهو الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي تتطلب منا نبذ كل طرح إعلامي أو ما سواه وتهميشه إذا اتسم بما أوضحناه في صدر المقال بالجدل للباطل، من خال موقف جمعي موحد أول من يلتزم به قادة الرأي من يتحكم بالمنابر الإعلامية في المجتمع من صحافة وتلفزة وإذاعة وإنترنت، وذلك لكي يسير المجتمع نحو البناء والتقويم الذاتي نحو الرقي للأفضل ونبذ والبعد عن كل المظاهر التي تدعو لإعاقة تطور المجتمع والمستمدة من مدارس أو توجهات ذاتية لأفراد أقاموا أنفسهم للناس بأنفسهم.
الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر