Al Jazirah NewsPaper Friday  01/08/2008 G Issue 13091
الجمعة 29 رجب 1429   العدد  13091
الأمانة.. أقوى دعائم المجتمع 3-3
د. محمد بن سعد الشويعر

حتى إذا قضى حديثه، قال: أين السائل عن الساعة؟ قال الأعرابي: ها أنا يا رسول الله. قال: (إذا ضيعت الأمانة فانتظروا الساعة)، قال السائل: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: (إذا أوسِدَ الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة) (جامع الأصول1: 321). وما ذلك إلا أن الأمانة من الإيمان، الذي تعريفه أنه: تصديق بالقلب، وعمل بالجوارح، وقول باللسان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.. فإذا أضيعت الأمانة، فسدت الذّمم، وجرى التعدي على الحقوق الخاصة والعامة، ولا يردع ذلك إلا قوة السلطان...

.. ومتى قوي هذا الإيمان في القلب، فإن صاحبه يحرص على جذب الجوارح، للأعمال الصالحة, والحسنة عند الله وعند الناس حيث تندفع إلى ما يفيد، ويسعد به المجتمع ليعفّ بعضهم، عما عند الآخرين، ويحمدون الله على ما هيأ لهم، بعد كبح جماح نفوسهم عن الطمع، وبذا تكبر مكانة الأمانة، ويحفّ الأمن بالمجتع، الذي يزدهر، وينمو فيه المال وتنتشر الألفة بين أبنائه في تعاملهم، لأن رأس المال جبان، لا ينمو إلا مع توفر الأمن ثم الأمانة التي بصدقها في التعامل يحوطهم الله بعنايته ورحمته.

لأن كل فرد، متى رعى حق الأمانة: بين العبد ورّبه: مراقبة وتقوى وذلك بأداء ما افترض الله واجتناب ما عنه نهى، فإن حق الأمانة فيما بينه وبين من يتعامل معهم: من أهلٍ وولدٍ وجارٍ وصاحب أو من تربطه مسؤولية العمل، أو الصداقة، أو مع الآخرين أياً كانوا، فإن رابطة الأمانة لا شك تقوى، ويعظم شأنها: أداء وحفظاً واهتماماً، لأن عامل الخير مع الناس من عوامل الوفاء بالأمانة.

بل سوف تمتدّ مسؤولية الأمانة مع الحيوانات والطيور بحسن الولاية، والإحسان إليهنّ لأن الله يحب المحسنين، ولا يرضى الإساءة في التعامل معهن: في الإهمال والإطعام، وسوء الولاية، إذ في كل نفس رطبة حسنة، وقصة المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها ومنعتها من الطعام والشراب حتى ماتت وهي معروفة وهذا الجزاء ناتج عن ضياع الأمانة ولئن اختلف المفسرون، وشراح الحديث، في مفهوم الأمانة بالتعريف الشامل، أو حصرها في جانب حدده بعضهم، دون جانب فإن جميع الدلالات تلك التي جاءت عند ابن كثير وغيره، تلتقي في المفهوم العام، للأمانة مع الحقيقة الشرعية في حقيقة الأمانة، وما يجب في أدائها، والمحافظة عليها، من حيث التعريف والتنظيم شرعياً.

لأن الأمانة حملها ثقيل، ويزيد ذلك ما ورد في الكتاب والسنة من تخويف وعقاب لمن يتهاون في أداء حقها، لما وراء ذلك من نكالٍ أُخروي أليم.

وقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: عبارة مجملة تبين أنه لا منافاة بين تخصيص كل تعريف من التعاريف التي جاءت عنده، أو عند غيره، بدلالة معينة، حول خصوصية الأمانة كمن قال: إنها في غسل الجنابة أو في الوضوء أو في محافظة المرأة على موطن العفة أو في الأمانات المالية أو المادية، أو في عرض من الأعراض المختلفة، أو في فلتات اللسان بالأسرار ذات الخصوصية التي ينبني عليها ضرر بالفرد أو الجماعة أو يحدق بالأمة بأسرها.

سواء مما ذكرنا أو لم نذكره لشمول الأمانة على كلّ ما يدور حول الإنسان وهذه العبارة هي قوله: فإن كل الأقوال التي أوردها السلف عن هذه الأمة لا منافاة بينها، ولا تخصيص كل تعريف من التعاريف، التي جاءت بدلالة معينة حول خصوصية الأمانة. كمن قال: إنها في غسل الجنابة أو في الوضوء، أو في المال والجواهر كما مرّ أو في غير ذلك.

فإن كل الأقوال، لا تضارب بينها، بل هي متفقة وراجعة إلى أنها التكليف وقبول الأوامر والحذر من النواهي في الإخلال بشرط الأمانة، الذي بيّنه الله للجبال والسماوات والأرض: وهو إن قام بذلك أثيب، وإن تركه عُوقب، فأخافهنّ ذلك، وقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه إلا من وفقه الله (3: 522 تفسير ابن كثير).

ولعلنا نأتي بمثل محسوس في هذا، ويقع من تساهل البسطاء من الناس، والجاهلين بمسؤولية الأمانة في المصيدة ولا ينفعهم الندم لأنهم لم يمتحنوا إيمان ودين من تساهلوا معه: إذ طالما كفل إنسان شخصاً في دين أو أي نوع من التعاملات الدنيوية: كفالة غرم أو كفالة حضور، مما يقود الكافل عند هروب أو تمرد من كفل ليقاضيه صاحب الحق الذي ضمنه للجهات الشرعية فتلزمه بأداء ما كفل وعليه أن يبحث عن المكفول.

وهذا من ضياع الأمانة، التي خانها هذا الصاحب، وجازى المعروف بالإساءة ولم يرع المترتب عليه من حق حمله غيره لذهاب الورع والتقوى من قلبه.

بل كانت الأمانة في كثير من الأوامر الشرعية التي هي حق لله ولا مطالب لها من البشر، وإنما هو ثواب أو عقاب من الله في يوم المعاد حين لا ينفع الندم، كما مرّ في الرجل الذي يطالب بأداء أمانة ضيعها في الدنيا، فيقول: كيف أؤديها وقد انتهت الدنيا وما فيها، فتصور له ليحملها ويؤديها، وهو في قعر نار جهنم، وإذا صعد بها، تدحرجت منه، فتهوي في قعر النار به وهكذا يستمر معها صعوداً ونزولاً إلى ما شاء الله.. وما ذلك إلا تصوير محسوس من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصوير لمكانة وثقل الأمانة التي عظّم الله شأنها، ليحذرها كل مؤمن.. وقد مدح الله سبحانه المؤمنين وأعلا منازلهم بحرصهم على أداء الأمانة، ورعاية حقها: أداء ومحافظة وتوعية ومثلاً يحتذى من وازعهم الإيماني واتقوا الله فيما بينهم وبين الآخرين: فقال جل وعلا: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (8) سورة المؤمنون، بعدما أنثى عليهم سبحانه بأداء أمانة التكليف بأمور عديدة جاءت في أول السورة وغيرها من كتاب الله وعلى لسان رسوله الكريم.

وقد حدّث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (أربع إذا كنّ فيك، فلا عليك ما فاتك من الدنيا، حفظ أمانة، وصدق حديث، وحُسن خلقة وعفّة طُعمة) متفق عليه.

كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذّر وبشدّة عن الحلف بالأمانة، كما ذكر عبدالله بن المبارك ذلك، في كتابه: الزهد.. ولم يكن تحذيره إلا من تعظيمه لما عظمه الله، والله جل يعظم ما كان فيه جزاء بالعقاب أو ثواب بحسن الإتباع أخذاً من أقوال العلماء عن الكبيرة بأنها ما ورد فيها وعيد أوتأكيد بالجزاء.. نسأل الله العافية.

قس يتحّول من النصرانية بالإسلام

جاء في جريدة الشرق الأوسط عدد الجمعة 21-12-2007م أن آية من كتاب الله حولت قساً أمريكياً، من النصرانية إلى الإسلام، أدى فريضة الحج هذا العام، وغير اسمه من (سيفربدوو) إلى عليّ، وقصته نلخصها فيما يلي، وفق الحيز المتاح، فقد كان يُطلب من المتخرجين قبل قيامهم بالدعوة للنصرانية، الإلمام بجميع الكتب السماوية، ليلّموا بجميع الديانات ومن تلك الكتب القرآن الكريم، الذي كانت أول آية يسقط نظره عليها أول سورة البقرة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}(2)) سورة البقرة، قال: فنبهتني هذه الآية: إلى أنني أمام حقيقة لا تقبل الشك أو الريبة.

هذا ما دفعني إلى الرغبة بشغف في قراءة القرآن، إلى أن وصلت لمعلومات تناقض ما هو موجود في ديني (النصرانية) مما جعلني أرجع إلى القساوسة الكبار في المدرسة، الذين تهربوا من أسئلتي ونصحوني بعدم قراءة القرآن، لكونه من عمل الشيطان ومن أعمال المسلمين، الأمر الذي زادني إصراراً وحباً لهذا الكتاب لعدة أشهر مع إيمان بأن هذا الكتاب لا يستطيع أي من البشر كتابة ما هو موجود من الجمل والآيات الواضحة فيه.

ثم قال عدتُ إلى منزلي في يوم من الأيام بعد البحث والتقصي في دين الإسلام، ودعوت الله أن يُلهمني الصواب ويدلني على طريق الدين الصحيح وعندما خرجت من المنزل وجدت أمامي شخصاً يرتدي الثوب ويسير إلى المسجد فسألته عن اسمه فقال: سالم وعن ديانته؟ قال: الإسلام، وأنه ذاهب لأداء الصلاة في المسجد، فذهبت معه دون تردد، فوجدت المسجد لا طقوس فيه، كما هو في ديانتي والتي منها تعليق الصور.

فأدركت أن هذا الدين لا عنصرية فيه كغيره من الديانات وأصبحت أذهب إلى المسجد يومياً، ولمدة أسبوع دون أن يكلمني أحد إلى أن جاء أحد المسلمين وأنا جالس في المسجد وطلب مني أن يدربني على الوضوء، فظننت في بادئي الأمر أنه يريد أن يعلمني السحر إلى أن أخبرني بأن الوضوء يعني الطهارة، فرضخت لطلبه وتوضأت لأعلن بعدها إسلامي، وصرتُ أداوم على المسجد بدون خوف أو تردّد.. لكن جاءته الضغوط من أسرته وممن حوله، بأن المسلمين سيقتلونه، وخاصة أخته التي اعتنقت اليهودية فصرت أتغيب أحياناً عن المسجد وأتخوف.

إلا أن أخته بعدما رأت إصراره، وتغيّراً في حياته، قالت له: لم يغشّك من دعاك للإسلام، طالبة منه أن يجلب لها تذكاراً من مكة عندما علمت بذهابه للحج، وهي التي أرغمته بعد الضغوط النفسية أن يعود إلى المسجد، والتعمق في الإسلام، والبدء في الدعوة إليه في محيط مدينته. وأردف قائلاً: وعند مشاهدتي للكعبة لأول مرة تصلبت قدماي ولم أقدر أمشي وصرت أبكي بحرقة مع شعور برعشة غريبة لم أستطع الحراك بعدها.. ثم يقول: منذ خمس سنوات، وأنا لا أنام إلا تحت تأثير المنومات، لكن عندما وضعت رأسي للمبيت في منى، نمتُ دون المنوّمات مع شعور براحة القلب التي افتقدها منذ زمن بعيد (العدد 10615 ص 11).



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5068 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد