مع ما تحقق في عالمنا العربي إلا أننا نطمح أن نكون أفضل حالاً مما نحن عليه؛ لأن غالب الدول في العالم تتطور بدرجة أكبر بكثير مما نفعله، وتسير بخطى أكثر يقيناً مما نحمله، وترمي إلى أبعد بكثير مما ننظر إليه. هذا التباين جدير بأن نقف أمامه لنعتبر، ونفحصه لنتبين، ثم نفعل وإلا فعلام الاعتبار؟ هل بربكم وجدتم أحداً إلا والانتقاد ديدنه إلا من رحم ربي؟ وهل رأيتم أحداً ينتقد ذاته ثم يغير خطأه؟ قد يكون ولكن كم هي النسبة؟ الذي ينتقد الشفاعة ويصب عليها جامّ غضبه، هو نفسه يطلبها لإنجاز مصلحته، وهو ذاته يفعلها لقريبه وصديقه. البعض الذي يطلب من الناس المثابرة والعمل الجاد، هو نفسه لا يثابر ولا يجد، البعض يتندر على من لا يلتزم بالمواعيد، وهو ذاته مكان للتندر لنفس الخصلة، البعض الذي يلوم الناس على عدم احترام النظام، لا يحترم النظام فيتجاوز السرعة في قيادة السيارة، ويرمي المناديل والعلب الفارغة في الطريق، ويزاحم الناس في الدوائر الحكومية، البعض الذي يريد إدخال ابنه أو ابنته إلى الجامعة يطرق كل باب لنيل مبتغاه على حساب الآخرين، ومع هذا يلوم الناس في سلوك نفس المسلك. |
هو محق لأنه لو لم يفعل لفعل غيره وبقي دون تحقيق مراده، أو كما قال الوليد بن يزيد: (فاز باللذة الجسور) حيث إن من يغلبه الحياء أمثالي تضيع عليه من الفرص الكثير، لكنها جبلة جبلت وكثير غيري عليها، ولا نستطيع التخلص منها. إذاً فنحن جميعاً نسعى إلى واسطة أو شفاعة أو رحمة أو توسيع على الناس أو مجاملة أو سمها ما شئت، لكنها في النهاية مخالفة للنظام لنيل المرام. |
هذا النمط من السلوك الإداري جعل غيرنا يصل إلى مراحل متقدمة في الأداء الإداري والتقدم التقني، وستتسع الهوة كلما تقدم الزمن، طالما أن خيار الشفاعة أو الواسطة هو الأقصر والأمثل لتحقيق ما نطلبه وما نصبو إليه. |
عندما تكون الشفاعة محدودة ولفتح باب لنيل حق فهي محمودة، لكن عندما تكون مجاملة أو جوراً فتكون وباء إذا انتشر تكسرت تحته كفاءة الأداء. |
لا يخلو مجتمع ما، متقدماً كان أو نامياً أو باحثاً عن طريق التقدم، من الواسطة والمجاملة، غير أن النسبة هي التي تحدد مقدار النجاح أو الفشل الإداري ومن ثم التقدم العلمي والتقني، وبمقدار رغبة المجتمع أجمع في تقليل هذه النسبة أو تركها تكبر بقدر ما يقدر طموحه للأمام أو عودته إلى الخلف. |
كل منا ينتظر الآخر يتغير حتى يتغير في ذاته، وفي مدة الانتظار هذه تسير أمم بسرعة فائقة، وأخرى تمشي الهوينى، وثالثة تبقى كما هي أو تسير إلى الوراء. |
لقد حبا الله الشعب السعودي في الغالب بقيم وأخلاق جبلوا عليها وقيم توارثوها فلبسوها، وأحسنوا لباسها تارة، والبعض أساء لباسها تارة أخرى، لكنها قيم كانت وظلت وستظل إن شاء الله سائدة. |
ما أخشاه أن نبدأ بفقد شيء من تلك أو نتهاون في تطبيق بعض منها، ومن تلك الخصال الحميدة المروءة، والكرم، والرحمة، وحب الخير، وهنا يختلط النظام الإداري الذي يجب احترامه مع هذه الخصال، فنستخدمها في غير محلها؛ فتكون وبالاً بدلاً من أن تكون عوناً ودافعة للتقدم والعطاء والبذل والصرف. عندما نضع هذه الخصال في غير موضعها نكون قد جنينا عليها وعلى أنفسنا فتزول لسوء الاستعمال وتستبدل بنقيضها فيكون الكرم، حمانا الله وإياكم، رشوة أو تزلفاً لمخالفة نظام، ويكون حب الخير تجاوزاً للأنظمة وفعل خير لشخص على حساب الآخر، وتكون الرحمة خللاً إدارياً يضر بالأداء والكفاءة. |
هذا النمط من التغير في المفهوم خطير، هذا إذا ما ولّد ذلك ردة فعل لدى القليل إن شاء الله ليحاول فعل أي شيء بأي وسيلة لنيل مبتغاه لأنه يرى غيره يفعل فعله فيتحقق مأربه فيردد: |
وإن درّت نياقك فاحتلبها |
فما تدري الفصيل لمن يكون |
هذا مبدأ خطير، ونهج غير قويم، سيدفع ثمنه شعب بأكمله. انظروا إلى القنوات في عالمنا العربي واسمعوا ما يقوله المذيع والضيف، واسمعوا إلى الكلام الجميل المنطقي الذي لا يجانب الصواب، ولو تتبعتم القائل بعد مغادرته مكان المقابلة لرأيتم البعض يفعل غير ما قال، ويسير في الركب الذي انتقده قبل قليل. |
ربما يتحدث البعض عن الوطنية وهو لا يجتهد في عمله، ولا يتفانى فيما أوكل إليه، فماذا أضاف بتنطعه بحب الوطن، وماذا تفعل بحديثه المنمق وكلماته العذبة؟ هل ترون المجتمع في حاجة إليها؟ إنما نحتاج إلى أداء وعمل وجد وعرق. وكلنا يقول ذلك ويردده، ولكن من يفعل؟ الله أعلم. |
|