تعتبر جمهورية السودان أكبر الدول العربية من حيث المساحة الجغرافية، وتقع في قارة إفريقيا، ويفصل البحر الأحمر بينها وبين المملكة، وقد شهدت السودان في عهد الرئيس الحالي عمر البشير الذي تولى السلطة سنة 1989م نوعاً من الاستقرار في نظام الحكم، كما شهدت التوصل إلى إنهاء الحرب الأهلية في جنوب السودان وهما إنجازان كبيران يحسبان للرئيس البشير، فقد اشتعلت الحرب الأهلية بين القوات الحكومية وقوات المتمردين في الجنوب لمدة عشرين سنة قبل التوصل إلى اتفاق السلام الذي ترتب عليه إشراك ممثلين عن سكان الجنوب في الحكومة وتعيين نائب للرئيس منهم وهو اتفاق مؤقت سوف يتم بعد مضي ست سنوات عليه إجراء استفتاء لسكان جنوب السودان لكي يختاروا إما الاستمرار ضمن دولة السودان الموحدة أو الانفصال في دولة مستقلة.
وما كاد السودان يتنفس الصعداء بعد انتهاء الحرب الأهلية في الجنوب حتى حصلت قضية أخرى في غرب السودان هي قضية (دارفور) التي يبدو أن هناك أصابع أجنبية لإثارتها بسبب ما يتمتع به هذا الإقليم من ثروة معدنية، وهو ما تبين من تسارع الأحداث حول هذه القضية ووصولها إلى الأمم المتحدة في وقت قياسي مع أن هناك قضايا مشابهة في دول أخرى لم يتم تحريكها على المستوى الدولي باستثناء قضية تيمور الشرقية في اندونيسيا عندما فصل هذا الإقليم عنها وأصبح دولة مستقلة لأن الوضع يشبه الوضع في السودان باعتبار أن إندونيسيا والسودان بلدان مسلمان، فمثلاً: قضية كشمير بين الهند وباكستان ظلت عالقة منذ سنة (1947م) ولم تعرض على الأمم المتحدة وقضية (إقليم المسلمين في جنوب الفلبين) والقضية الفلسطينية التي لم يصدر من مجلس الأمن الدولي حولها أي قرار بعد قراريه (238و 242) سنة 1997م اللذين يدعوان إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة سنة 1967م وكأن هذين القرارين صدرا مجاملة للعرب فقط حيث لم يتم متابعة تنفيذهما بصفة جدية.
ومن تسارع الأحداث حول قضية دارفور أيضاً المسارعة في إحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية وكأن المقصود هو الحصول على مستند من هذه المحكمة ولو لم يكن دقيقاً لإصدار قرارات ضد السودان وهو ما تبين من لهجة البيان الذي ألقاه المدعي العام ورئيس المحكمة (لويس أوكامبو) عندما طالب بإيقاف الرئيس السوداني بتهمة الإبادة الإنسانية وهي تهمة كبيرة تحتاج إلى أدلة قانونية قاطعة لم يورد رئيس المحكمة أي دليل منها.
فالبيان الذي ألقاه رئيس المحكمة الدولية أقرب ما يكون إلى اللهجة السياسية ولا يعتبر عملاً قانونياً ويهدف إلى المساس بسيادة السودان بدليل توجيه التهمة للرئيس السوداني مباشرة وكأن الرئيس هو الذي يمارس العمل الحكومي في إقليم دارفور بنفسه وبدون مساعدة أحد.
فالعمل القانوني في مثل هذه التهمة الكبيرة يتطلب ما يلي
- إثبات تهمة الإبادة بأدلة قاطعة عبر قابلة للشك، وذلك بعد إجراء تحقيق ميداني كامل.
تحديد الأشخاص المسؤولين عن الإبادة الإنسانية ومن ثم إحالتهم للتحقيق.
- إذا ثبت من التحقيق أن هؤلاء الممارسين للإبادة كانوا مأمورين من مسؤولين آخرين بما فيهم الرئيس فإن الأمر يتطلب تحقيقا دوليا داخل السودان وليس من قبل المحكمة الدولية مباشرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا لو تم تجاوز هذه الاجراءات ووجهت التهمة رسمياً للرئيس عمر البشير وصدر حكم بذلك من المحكمة الجنائية الدولية وتم اعتماد هذا الحكم من مجلس الأمن الدولي؟
والاجابة أنه لو حصل ذلك فسوف يترتب عليه ما يلي:
- سوف يكون ذلك سابقة دولية خطيرة.
- سوف تتراخى الدول في حفظ الأمن والانضباط بداخلها تلافياً لحصول مثل هذه التهمة.
- سوف تقل ثقة الدول في المنظمات الدولية ومصداقيتها.
- سوف يشجع ذلك الأقليات في الدول على رفع راية التمرد والخروج على السلطة.
- سوف يعيق عملية إحلال السلام في إقليم دارفور.
- قد يؤدي إلى تقسيم السودان كما تنبأ الأمين للأمم المتحدة السابق بطرس غالي.
لقد أبدت الدول العربية كافة استياءها من التهمة الموجهة للرئيس السوداني، وأصدر مجلس وزراء الخارجية العرب قراراً بذلك وكلف الأمين العام للجامعة العربية باجراء اتصالات مع السودان حول ذلك، وعلى الجامعة العربية مضاعفة جهودها في ذلك وأن تقوم باسم الدول العربية بإجراء اتصالات دولية مع الأطراف الفاعلة في ذلك، ومع هيئة الأمم المتحدة من أجل إشعار المجتمع الدولي بجدية العرب في هذا التحرك، فالقضية عربية وليست تخص السودان فقط فإن سكت عنها فقد توجه تهمة أخرى إلى رئيس عربي آخر، فبالأمس تم غزو العراق وإسقاط نظام الحكم فيه بالقوة وبدون شرعية دولية وهو ما نتج عنه دخول العراق في فوضى وعدم استقرار واليوم يتهم السودان وهكذا.