Al Jazirah NewsPaper Thursday  31/07/2008 G Issue 13090
الخميس 28 رجب 1429   العدد  13090

الأرض

 

وقف الملك فيصل - رحمه الله - ذات يوم خطيباً، تحدث بصوت يكاد يخنقه الألم على إثر ما ارتكبه اليهود من جرائم واعتداء على المقدسات، ختم رحمه الله خطابه بكلمات ينتفض لها القلب، قال: إن لم يكتب الله لنا الجهاد، فإني أدعو الله أن لا يبقيني على قيد الحياة..

غَادري يا شمسُ دُنيانا وغِيبي

وإلى ربِّك تُوبي وأنيبي

أشْرِبي وجْهَكِ من حُمرتِهِ

رَهَباً يُحرقُ من تلك الذّنوبِ

ما خَفى عِلْمُكِ عنها ساعةً

جَلَّ ما تُخفينَ من علمِ الغيوبِ

هِيْ ذُنوبٌ هَرِمَ الدهرُ لها

وهي في الريعانِ تهفو لحبيبِ

مَالتِ الأرضُ لها ما وَقَرتْ

قَدْرَها من ذلك الكون المَهيبِ

غَالبتْها شِقوةٌ ما استدركت

بعدها ما كان من عُمرٍ سَليبِ

هل تَبَدَّى لكِ يا شمسُ بها

أثراً تأتينهُ غيرُ خَريبِ

فذريها لشقاها وارحلي

وأثيري قلبها عند الغروبِ

عَلَّها تُبصِرُ منه حُمرةً

هي أجدى فيه من كل طبيبِ

فلقد بلغَ منها داؤها

مَبلغَ اللهبِ من مُخِّ العسيبِ

وسرى جُرثُومُهُ في بطنِها

يا لذاك الفعلِ من ذاك الدَّبيبِ

أخذ الأحشاءَ ثم انزاحَ كي

يأخذَ الرَّاحةَ من بعد اللُّغُوبِ

هذه الأرضُ التي أنهَكَها

جَبَروتٌ عِرقُهُ عِرقُ عصيبِ

ظالمٍ مُذ بثَّ فيها نَفَساً

سَرتِ اللوثةُ في تلك التروبِ

بعد أن قالت له (هَيتَ)، أتى

خان عهد الله في تلك العَرُوبِ

فاستباحَ العِرضَ، في هتك الِحمى

وهو في سكرتِهِ غيرُ مُجيبِ

أوقدَ الحربَ وأهراقَ الدِّما

ولكم تركَ من جرح نديبِ

ولقد صدَّق فيها ظنَّ إب

ليسَ أن يُبشرَ منها بالنَّصيبِ

جَشعُ ابنِ الأرضِ من قام له

حين أبلى الذئبُ من بطن الحَلُوبِ

كفتى قامَ له، أيامها

كان دبَّ الرُّعب في كل القلوبِ

فِلْذةٌ من كبدها أكرم به

من أريبٍ، ثابتِ العزم، نجيبِ

يوم أن وقّفَ فيها وقفةً

فرأى الدنيا على وجهٍ كَئيبِ

ورأى الأحداث فيها دُولاً

ما يرى الغالبُ فيها من غليبِ

ورأت عيناه من أحببها

تتهاوى في يدي رِجسٍ سَريبِ

(قُدْسُهُ) قد كان وهي في هوى

دائمِ الحُمَّةِ، موصول الشُّبوبِ

قام فيها ناظراً مُستبصراً

فرأى الشيبةَ من قبل المشيبِ

نظرةً قد قَرَّ منها فيه أن

لا هُدى للريح من دون هَبوبِ

هبَّ من لَهَبِ الرِّيح ومن

خلفهِ تتبعُ آثارَ اللهيبِ

هَبَّةً - لله- ما أمكنها

من فؤادٍ جَلْمَدٍ صخرٍ صليبِ

كان من عُجَبٍ به يَحْسَبهُ

أوتيَ المأمنَ من كل الرُّعوبِ

فَعَلا في القُدس يستضعِفُها

وانبرى يقتاتُ من تلك الشعوبِ

وهي في وَهَنِها ساخطةٌ

(أين ذاك الشهمُ من ذاك الغريبِ!)

من كريمِ الله هبَّتْ نفحةٌ

بَعثَت آمالها من بعد حُوبِ

بعثَ اللهُ لها من دَمِها

عربيَّ الدم، من تُربٍ رطيبِ

فيصلٌ قالَ لها إنّي لها

هل يذلُّ الصعبُ من دون رُكوبِ؟!

فكأنَّ الله قد حَمَّلهُ

هِمَّةً شَقَّت على كل لبيبِ

وكأن الكونَ إذ أثقله

كان قد آواهُ في الصَّدرِ الرحيبِ

ومضت أيامُهُ وهولها

حاضرُ النجدة، سَبَّاقُ الوثوبِ

يُرسِلُ الموتَ على أعدائها

ويَرُدُّ البأسَ بالبأسِ العجيبِ

إيهِ يا وقت وكنتَ شاهداً

حاضرَ الحدثِ ومن عهد قريبِ

يوم أن غَدَّرَ بالمسجدِ من

لا يخاف المكرَ من ربًّ رقيبِ

سكبَ النارَ على أفئدةٍ

كانت العطشى إلى عَفوٍ سكوبِ

والذي ألبسها الصبرَ، لقد

كان أبلى الثوبَ فتاقُ الخطوبِ

فعلا الصخبُ لدى أنحائهِ

وتناهى الكربُ في تلك الدروبِ

نظَرَ الفيصلُ في أهوالهِ

فرأى الفتنةَ في ثوبٍ مُريبِ

رثِيَ الحالَ وقالَ قولةً

كانت الأسرى على مرِّ الحقوبِ

قدس إن لم يكتب الله لنا

غَلَباً، والنصرُ في سيفٍ ضروبِ

فأنا لله عبدٌ سائلٌ

صادقُ الرغبة والله حسيبي

أن يُتِمَّ الله فيها أجلي

ويكونَ الموتُ، من بعدُ، نصيبي

هيفاء المدائن


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد