وقف الملك فيصل - رحمه الله - ذات يوم خطيباً، تحدث بصوت يكاد يخنقه الألم على إثر ما ارتكبه اليهود من جرائم واعتداء على المقدسات، ختم رحمه الله خطابه بكلمات ينتفض لها القلب، قال: إن لم يكتب الله لنا الجهاد، فإني أدعو الله أن لا يبقيني على قيد الحياة.. |
غَادري يا شمسُ دُنيانا وغِيبي |
وإلى ربِّك تُوبي وأنيبي |
أشْرِبي وجْهَكِ من حُمرتِهِ |
رَهَباً يُحرقُ من تلك الذّنوبِ |
ما خَفى عِلْمُكِ عنها ساعةً |
جَلَّ ما تُخفينَ من علمِ الغيوبِ |
هِيْ ذُنوبٌ هَرِمَ الدهرُ لها |
وهي في الريعانِ تهفو لحبيبِ |
مَالتِ الأرضُ لها ما وَقَرتْ |
قَدْرَها من ذلك الكون المَهيبِ |
غَالبتْها شِقوةٌ ما استدركت |
بعدها ما كان من عُمرٍ سَليبِ |
هل تَبَدَّى لكِ يا شمسُ بها |
أثراً تأتينهُ غيرُ خَريبِ |
فذريها لشقاها وارحلي |
وأثيري قلبها عند الغروبِ |
عَلَّها تُبصِرُ منه حُمرةً |
هي أجدى فيه من كل طبيبِ |
فلقد بلغَ منها داؤها |
مَبلغَ اللهبِ من مُخِّ العسيبِ |
وسرى جُرثُومُهُ في بطنِها |
يا لذاك الفعلِ من ذاك الدَّبيبِ |
أخذ الأحشاءَ ثم انزاحَ كي |
يأخذَ الرَّاحةَ من بعد اللُّغُوبِ |
هذه الأرضُ التي أنهَكَها |
جَبَروتٌ عِرقُهُ عِرقُ عصيبِ |
ظالمٍ مُذ بثَّ فيها نَفَساً |
سَرتِ اللوثةُ في تلك التروبِ |
بعد أن قالت له (هَيتَ)، أتى |
خان عهد الله في تلك العَرُوبِ |
فاستباحَ العِرضَ، في هتك الِحمى |
وهو في سكرتِهِ غيرُ مُجيبِ |
أوقدَ الحربَ وأهراقَ الدِّما |
ولكم تركَ من جرح نديبِ |
ولقد صدَّق فيها ظنَّ إب |
ليسَ أن يُبشرَ منها بالنَّصيبِ |
جَشعُ ابنِ الأرضِ من قام له |
حين أبلى الذئبُ من بطن الحَلُوبِ |
كفتى قامَ له، أيامها |
كان دبَّ الرُّعب في كل القلوبِ |
فِلْذةٌ من كبدها أكرم به |
من أريبٍ، ثابتِ العزم، نجيبِ |
يوم أن وقّفَ فيها وقفةً |
فرأى الدنيا على وجهٍ كَئيبِ |
ورأى الأحداث فيها دُولاً |
ما يرى الغالبُ فيها من غليبِ |
ورأت عيناه من أحببها |
تتهاوى في يدي رِجسٍ سَريبِ |
(قُدْسُهُ) قد كان وهي في هوى |
دائمِ الحُمَّةِ، موصول الشُّبوبِ |
قام فيها ناظراً مُستبصراً |
فرأى الشيبةَ من قبل المشيبِ |
نظرةً قد قَرَّ منها فيه أن |
لا هُدى للريح من دون هَبوبِ |
هبَّ من لَهَبِ الرِّيح ومن |
خلفهِ تتبعُ آثارَ اللهيبِ |
هَبَّةً - لله- ما أمكنها |
من فؤادٍ جَلْمَدٍ صخرٍ صليبِ |
كان من عُجَبٍ به يَحْسَبهُ |
أوتيَ المأمنَ من كل الرُّعوبِ |
فَعَلا في القُدس يستضعِفُها |
وانبرى يقتاتُ من تلك الشعوبِ |
وهي في وَهَنِها ساخطةٌ |
(أين ذاك الشهمُ من ذاك الغريبِ!) |
من كريمِ الله هبَّتْ نفحةٌ |
بَعثَت آمالها من بعد حُوبِ |
بعثَ اللهُ لها من دَمِها |
عربيَّ الدم، من تُربٍ رطيبِ |
فيصلٌ قالَ لها إنّي لها |
هل يذلُّ الصعبُ من دون رُكوبِ؟! |
فكأنَّ الله قد حَمَّلهُ |
هِمَّةً شَقَّت على كل لبيبِ |
وكأن الكونَ إذ أثقله |
كان قد آواهُ في الصَّدرِ الرحيبِ |
ومضت أيامُهُ وهولها |
حاضرُ النجدة، سَبَّاقُ الوثوبِ |
يُرسِلُ الموتَ على أعدائها |
ويَرُدُّ البأسَ بالبأسِ العجيبِ |
إيهِ يا وقت وكنتَ شاهداً |
حاضرَ الحدثِ ومن عهد قريبِ |
يوم أن غَدَّرَ بالمسجدِ من |
لا يخاف المكرَ من ربًّ رقيبِ |
سكبَ النارَ على أفئدةٍ |
كانت العطشى إلى عَفوٍ سكوبِ |
والذي ألبسها الصبرَ، لقد |
كان أبلى الثوبَ فتاقُ الخطوبِ |
فعلا الصخبُ لدى أنحائهِ |
وتناهى الكربُ في تلك الدروبِ |
نظَرَ الفيصلُ في أهوالهِ |
فرأى الفتنةَ في ثوبٍ مُريبِ |
رثِيَ الحالَ وقالَ قولةً |
كانت الأسرى على مرِّ الحقوبِ |
قدس إن لم يكتب الله لنا |
غَلَباً، والنصرُ في سيفٍ ضروبِ |
فأنا لله عبدٌ سائلٌ |
صادقُ الرغبة والله حسيبي |
أن يُتِمَّ الله فيها أجلي |
ويكونَ الموتُ، من بعدُ، نصيبي |
هيفاء المدائن |
|