Al Jazirah NewsPaper Thursday  31/07/2008 G Issue 13090
الخميس 28 رجب 1429   العدد  13090
مدينة الدخان

ها أنا أتسكع في شوارع مدينتي المليئة بالحفر والأعين الفضولية منذ أسبوع وهي تطاردني.. ما زلت أبحث عن شيء لا أجده إلا فيها.. ما هو بالأمر الجميل, ومع هذا أبحث عنه بلهفة. يخبرني أخي عن بيته الجديد بعد أن يفاجئ ابنته بضربة صاعدة, تبكي الصغيرة وتفرك رأسها بألم, وكأن أخي يعمل بدقة وحذر من أجل توريث أبنائه (جين البؤس).. إنه يشاهد ابنته وهي تحاول نقل ألم رأسها لمن هو أضعف منها, بعد دقائق ضج البيت (الجديد) بالبكاء؛ فأدركت أن أبناءنا عبارة عن فلزات عصبية. نهضت تاركةً أخي يحاول استخلاص حذائه من أصغر أطفالنا والذي بدأ يركض خلف أخته مردداً: أنا البطل الجديد أنا (جزمه مان).

ما أروع أن يختار جيلنا الجديد مسميات بطولاته بنفسه..!!

إن الحياة هنا لجميلة إلا أنها بخيلة النِسب, ولا تقدر على الفكاك منها إلا إن دثرت عينيك بجفنيك, وحلمت بدرب لا يسألك في كل خطوة (إلى أين ؟)!

يذبل الألمُ في الجوار..

تصافحهم وكأنك تصافح النار لتنطبع بصمتهم في يدك تبتسم وأنت تشاهد الحريق وتتمتم..

احترقي فليس هناك ما تخشين أنّ تخسريه!!

كثيرةٌ هي أصواتهم ولكن يملؤهم الفراغ كالأجراس مزعجة وفضولية، ولكنها تختفي بسرعة..

أحاول أن أكون نفس الشيء فلا أصل إلى شيء ولا شيء يصل إليّ!

كيّ أتعايش مع مدينتي لابد أنّ أنسى ما مررت به من المدن..

هل ليّ بشفاه لا تفضح حقيقة القلب..؟!

في البدء كانت الأشياء تنتهي خلف الجشع..

حينها لم أكن محاصرة بالأوراق والأرق.. كنت كالبقية, تميمة يتلوها الأبرار ليتوارثها الجميع

كل هذا ذهب حينما أغمضت عينيّ.. لو كان قيماً لبكيت تكريماً لروحه..

ترتعش أربعة أصابع وتمتد إلى طرف النافذة.. تنطفئ جذوة ثلاثة منها وتشير الناجية إلى السماء.. يهز المتسول رأسه بغضب ومن ثم يبتلع ذلّته ويسير ساحباً عزته الكسيحة.. نفس هذه الإصبع تشير إلى صدر السائق.. ألوك دهشتي وتوقعاته وأشتعل لألتحق ببقية الخيبات الصاعدة إلى الأعلى..

أشاهد مقبضِ الباب تدوِّرهُ رغبة صامته أشعر بأن قدمي مقيدة بكيس من المعدن يرن محذراً كلما حركته نسائم الهواء القادمة من كواكب الدهشة!!

لم أمت في مدينتي بعد, فقط انبعثت في رمادها وتسللت في أعين الجميع لتبكي الغائب عن مكانه بعد أن يكتشف هو أنه ليس بمكانه حيث لا مكان!

تصعد الموسيقى إلى أعلى متباطئة حتى تصل للقلب ثم تسرع كأنها تريد اللحاق بالعاصفة حيث تزمجر الذكريات وينير البرق للعودة لنفس الطريق مرةً أخرى..

هي الحياة..

كما قالها أدونيس: (لن تجد نفسك إلا في مكانٍ آخرَ، في أمكنةٍ أُخرى.. كأنّ تأريخ الإنسان هو تأريخ الخروج من نفسه..

السفرُ ليس غياباً. السفرُ هو الحضورْ)!!

ساعتي دائماً معطوبة بالجنون ..

لها رنين خاص كل ساعة فجر

وكأنها تذكرني بشيء ذو مغزى

إما الرقص مع الملائكة أو الشياطين!!

سارة الزنيدي - عنيزة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد