ربّما تكون زيارة السناتور باراك أوباما على قدر كبير من الأهمية بوصفه مرشحاً للرئاسة الأمريكية حسب استطلاعات الرأي فإن أوباما يتفوّق على السناتور ماكين مرشح حزب المحافظين وبذلك فإن فرص وصوله للبيت الأبيض عالية - إذا لم تحصل مفاجآت قبل الانتخابات ....
.....الأمريكية - أوباما تراجع عن موقفه المعلن في خطاب له أمام منظمة أيباك المؤيدة لإسرائيل حيث صرّح أوباما أنّ (القدس ستبقى عاصمة إسرائيل ويجب أن تبقى موحدة). وقد أثار موقفه حفيظة الصحافة العربية والقادة الفلسطينيين، وانتقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس تصريحاته ومواقفه، وكذلك اعتبر كبير المفاوضين الفلسطينيين د. صائب عريقات أن تصريحات أوباما (أغلقت جميع الأبواب المؤدية للسلام)، مضيفاً إنه لم يتفهم أنه من دون أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية فلن يكون هناك سلام مع إسرائيل، وفي حديث لاحق في شبكة سي إن إن سئل أوباما حول حق الفلسطينيين في المطالبة بالقدس في المستقبل فأجاب أن هذا الأمر متروك للتفاوض بين طرفي الصراع، وعاد وأكد حق إسرائيل المشروع في القدس.
الواقع أن أوباما يدرك بأنه أمام تركة صعبة وإرث كبير سيواجهه سواء في معركته الانتخابية للوصول إلى البيت الأبيض، أو من خلال تحقق وصوله للبيت الأبيض، فإن خسارة أمريكا لمصداقيتها وظهورها فقط كدولة تمتلك القوة دون السياسة والحكمة فإنها بحاجة للحكماء لإعادة هذه المصداقية وبوصفها دولة راعية للديمقراطية لتحمي الديمقراطية وفاء للمبادئ التي أقرها الرئيس الأمريكي ويلسون والتي تعتبر من معايير القياس للسياسة الأمريكية، الشعب الأمريكي منقسم على نفسه فيما يخص (الحرب على العراق) وكذلك الحرب برمتها فيما يخص الحرب على ما يسمى الإرهاب أسئلة كثيرة لا زالت بدون إجابة، والمعروف أن أمريكا اليوم في ورطة أفغانسان والعراق وكذلك تستعد لورطة قادمة فيما يخص الحرب على إيران، الوضع الاقتصادي الأمريكي صعب الدولار ينخفض بشكل كبيرة فقد 33% من قيمته، مقابل ارتفاع حاد بأسعار النفط التي وصلت إلى أرقام قياسية بلغت 147 دولاراً للبرميل في التعاملات الآجلة والأسعار مرشحة للزيادة الجنونية إذا ما أقدمت على ضرب إيران، قبل الحرب على العراق كان برميل النفط يصل إلى 24 دولاراً أمريكياً وبذلك فإن هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار يدفع المواطن الأمريكي وشعوب العالم ثمناً للحرب التي شنت على العراق دونما نتائج وفقاً للأهداف التي أعلنها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، حالة من الفقر والإفقار والخوف يعيشها العالم، النظام العالمي الجديد الذي افترعته أمريكا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بدأ يتهالك ويحتضر، مؤسسات العولمة الرئيسية غدت جزءاً من المشكلة وصولاً لحالة الغلاء الفاحش في الأسعار والسلع والفقر ونقص حاد وكبير في السلع الأساسية أدت إلى تعذر تقديم العون والإغاثة للجوعى والفقراء، العالم زاد فقراً وحنقاً وسخطاً على السياسات الأمريكية وعلى العولمة، وصول أمريكا إلى نفط الشرق الأوسط لم يحقق لها مردود السيطرة، العرب رغم الفجوة الكبيرة بالأسعار ما زالوا وسائل إيضاح في السياسة الأمريكية وخصوصاً في ظل الاستهداف الواضح المعلن للسنة والعرب في العالم في إطار الحرب المجنونة على ما يسمى بالإرهاب، طالت من طالت حتى إن اليمين المتطرف صور أوباما على أنه الملا الجديد لأمريكا من خلال الكاريكتير الذي نشرته إحدى الصحف الأمريكية وأظهرته يرتدي لباس ابن لادن وزوجته تحمل بندقية، وفي المنتصف فلسطين والقضية الفلسطينية التي تعاني ما تعاني من الاحتلال الإسرائيلي والتعنت الإسرائيلي وأبعد من ذلك من تحدي إسرائيل للقانون الدولي فيما يخص استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية، إسرائيل رغم ذلك تحضر بشكل جدي لضرب إيران وإن رد إيران جاهزة على ضربة إسرائيل وهذا ما أعلنه أكثر من مسؤول إيراني، إسرائيل تشكل الموضوع الداخلي الأمريكي الأهم الذي يتوحد عليه الشعب الأمريكي في دعمه وضمان أمنها على حد سواء ديمقراطيين أو محافظين، أوباما أكد في كلمة ألقاها أمام اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (إيباك) أن الحفاظ على أمن إسرائيل مسألة يتقاسمها مع المرشح الجمهوري جون ماكين وتتجاوز الولاء الحزبي، مشيراً إلى أن هذا الأمن لن يتحقق إلا من خلال اتفاق سلام دائم مع جيرانها.
الإدارة الحالية تريد أن تورث الإدارة القادمة سواء كانت ديمقراطية بزعامة أوباما أو ماكين ذلك لأن الإدارة الحالية لا يمكنها أن تحشد التأييد اللازم لضرب إيران، رغم أجواء الصيف الساخنة المتوقعة أو المؤجلة، رغم التلطيف الاصطناعي للأجواء في المنطقة.. فإسرائيل تفاوض سوريا وحال توصلها معها إلى اتفاق سلام وإعلان أو حتى وديعة جديدة على غرار وديعة رابين ستكون نقطة الصفر لضرب إيران، وذلك بعد إتمام صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله وكذلك إنجاز صفقة لتبادل الأسرى مع حماس، رغم التحذير العربي في أن المنطقة لا تحتمل أي حرب جديدة إلا أن الحرب قادمة بدون أي شك، وأمريكا ستنفق المزيد المزيد من المليارات من ميزانياتها لتمويل الحروب الحالية والحرب أو الحروب القادمة في ظل العجز الكبير في الموازنة وتراجع الأداء الاقتصادي وقيمة الدولار...، هل سيقدر أوباما على معالجة المشاكل الداخلية أو أن يستعيد مصداقية أمريكا بالسياسة الخارجية أم أنه سيستطيع أن يحرز تقدماً فيما يخص التوصل لاتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين رغم أنه لا زال يبحث عن الدعم اليهودي ورضا إسرائيل، أو بين العرب وإسرائيل أو أنه قادر على وقف النزف المالي للخزينة الأمريكية التي بلغت المليارات للحرب وآلاف القتلى؟.. أوباما لا يريد أحداً أن يشجعه للانسحاب (التدريجي) من العراق رغم أنه يريد الاستمرار بالحرب في أفغانستان، ولكن الأهم أنه يريد صوتاً عربياً قوياً يشجعه في إطار اتفاق إستراتيجي عربي أمريكي وإن كان العرب وحسب الرئيس الأمريكي رونالد ريغان (هم حلفاء غير موثوقين بالنسبة لأمريكا ولا يقارنوا كحلفاء مع إسرائيل لا من حيث المكانة ولا من حيث الدعم المقدم لها والمواقف المطلوبة منها).
إن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي مقابل الدعم العربي هذا إذا لزم وإذا كان لايزال ممكناً، الأزمة الاقتصادية الأمريكية آخذة بالتوسع والتزايد، وإذا استمرت أمريكا بسياستها وهذا يذكر بما قاله الرئيس الأمريكي كارتر في مذكراته عشية زيارته للكويت في إطار جولة عربية لحشد دعم لسد العجز في الخزينة الأمريكية عندما قال: (إنه كان على استعداد لتلبية المطالب العربية وإقامة دولة فلسطينية لو طلب العرب ذلك)، والآن وبعد أن تكرر الحدث مطلوب من الدول العربية أن يطلبوا ويعلنوا أنهم يريدون دولة فلسطينية وهذا ما يمكن أن يفهمه أوباما وهو السياسي المتحمس المناضل لحقوق السود والمساواة في أمريكا والذي يمثل الوريث الأبرز لمارتن لوثر داعية المساواة، ولكن هل يعني أن الفلسطينيين يسلمون أمرهم وأوراقهم للعرب؟ العرب لديهم مشاكل ونقاط ضعف كبيرة ولديهم نقاط قوة مشتتة، المطلوب فلسطينياً أن يسمع مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة موقفاً أكثر وضوحاً بأن الشعب الفلسطيني اهتزت ثقتهم بالوسيط الأمريكي ولا يمكنهم أن يستمروا في تحمل الإهانات اليومية التي توجه للسلطة الفلسطينية وكذلك لا يمكنهم السكوت عن عملية التفشيل التي تمارسها إسرائيل ضد السلطة ومؤسساتها وكذلك استمرارها في التوسع الاستيطاني الاستعماري، وكذلك حالة التقسيم والفصل والعزل وتقطيع أوصال الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية، وإطلاق العنان للمستوطنين لإرعاب الفلسطينيين وإطلاق القذائف على القرى الفلسطينية، وأنه آن الأوان لانتهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والدفع بمفاوضات جادة ضمن سقف زمني محدود، إذا كانت إسرائيل مستعدة للسلام وإن تغير سلوكها على الأرض.
وإذا كان تقرير بيكر هاملتون قد وصف الحرب على العراق بأنها فاصلة ومشابهة لحرب السويس على مصر سنة 56 التي انتهى بعدها الوجود الفرنسي في المنطقة، فإن حرب قادمة إضافية تمثل انتهاء للدور الأمريكي في المنطقة لصالح من ينتصر حتى لو كانت الفوضى، والأهم بتقديري أن أوباما أمام تحدٍّ مع التحدي في التغير في الثنائية القاطعة التي ظلت الإدارة الأمريكية الحالية تقدمها كطبق يومي للشعب الأمريكي لتعزيز الكراهية والتحريض على العرب والمسلمين السنة، وكذلك للتحريض على السياسيين الذين لا يؤيدون الحرب على العراق ولا يقتنعون بجدوى الحرب على ما يسمى بالإرهاب في إطار الحرب اللاأخلاقية، وأن مهمة أوباما هي أصعب بكثير في هذا الإطار من مهمته في الوصول إلى البيت الأبيض.
رغم ذلك فلا يوجد توقعات درامية في زيارته للضفة أنه ولن يضع إكليلاً من ورود فلسطين على قبر شهيد فلسطين وأمير السنة الرئيس الراحل ياسر عرفات، حتى لا يغضب إسرائيل، ولن يخرج حديثه عن المتوقع، ورغم ذلك فإن الفلسطينيين سيصغون له وسيسمعون كلامه حتى نهايته ويتوقعون أن يسمعوا منه جديداً وأملاً بعمل جدي للوصول إلى السلام بدعمه عندما يكون في كرسي الرئاسة.
ولكن مؤكداً بأن زيارته على الجانب الآخر ستكون جزءاً من حفل وداع حزين لأولمرت الممسك بكرسي رئاسة الوزراء بيديه وأسنانه ويتمنى بقاءه في الحكم وأن يمد الله بعمره السياسي، يريد من إسرائيل دعماً إضافياً لنجاحه في الوصول للبيت الأبيض، وليقرأ على مسامع اليهود وقادة إسرائيل مواقفه الداعمة المؤيدة لإسرائيل، وليدخل في سباق مع الرئيس الأمريكي بوش من على نفس المنصة ليرد على بوش من المكان الذي انتقده منه وليزيد على أقواله دعماً وتأييداً لإسرائيل، وخصوصاً أن موقف أوباما غير المحدد وغير الواضح بخصوص القدس يصب بمصلحة إسرائيل، ولن يتردد في مجاراة إسرائيل بالموقف سعياً لإرضائها ونفي تهمة الأصولية عنه.
باحث وكاتب
hanoun@palnet.com