في الوقت الذي تهب فيه ريح التغيير الهوجاء من جميع منافذ الدار الكبيرة تعبث بكل شيء، وتأتي على ما هو قيم ثمين لا يقبل عبث الريح... وغير معرض لعصفها أو شتاتها أو مسها له بإقصاء أو تضييع... بمثل ما تأتي على القابل لها غير الحريص فيما لو طوحت به هذه الريح خارج الدار... أو ألقته مع الخشاش أو طارت به إلى الغياب...
في هذا الوقت اختلط ويبدو بشدة خلط الثمين بالوضيع... والقيّم بعديم القيمة... والممكن بغير الممكن... بل هناك من لا يستطيع التمييز بين كلمة صادقة وأخرى ملونة... وبين فكرة صائبة وأخرى مدمرة... وبين ما هو قابل للجدل وما هو قابل للهزل...
من ضمن هذا الزاد والعتاد اللذين يتعرضان للريح الشاسعة الامتداد هو الفصل بين ما يندرج ضمن التطرف والاعتدال... وبين الغلو والواجب في شأن سلوك الفرد بل مؤسساته في مجتمع مسلم نشأ على ربط كل حركة في فكره ونيته وعمله بربه العظيم وعرضها على ميزان قبوله أو رفضه...
وتبقى الأخطاء الفردية معلقة برقاب أصحابها لأنهم يعلمون ألا تزر وازرة وزر أخرى...
فما بال الخلط الآن يمتد ليجعل من تلك الدور القائمة على نور الله (كتابه الكريم وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام العظيم)... التي كانت تطمح كل أم إلى أن تقود صغارها بها؛ حيث يحفظون ويتدارسون كتاب الله ويتعلمون نهج نبيه...
بل كان الرجال يترحلون من أجل حديث أو قراءة من القراءات السبع لهذا الدستور العظيم الذي يربي على الخُلق والقِيم وفضائل العادات وجميل القِيم وقويم السلوك...؟
واليوم مع ريح الشتات ونوافذ القلق وأمطار المتغيرات... تلك التي خلطت الحابل بنابله والصادق بالكاذب والنقي بالداكن والصحيح بالخطأ تتجه لهذه الدور من تلك الريح ما يمس أهدافها ويلحق بنواياها ويخيف من إنجازها...؟
إن أخطاء بعينها أو تفريطاً في جانب أو مبادرات من فئات لا ينبغي أن تأتي على الشجر الأخضر لتجزه ولا على المظلة الآمنة لتنقضها...
هنا دار الإسلام التي ينبغي التوقف عندها طويلاً وبوعي بل بتقوى الله والخوف منه للتفكر فيما يُبقي لها هذه الصفة عملاً وقولاً.. وأن يحرص على قوامها وما يتعلق به من الأمانة والمسؤولية...
مهما كان للطوارئ من إنذارات لا بد أن تعالج كل نافذة على انفراد، فما يأتي منها الخير تشرع، وما يأتي منها الشر تغلق، فيما لنا وما هو علينا, ربما لن نختلف حين نتفكر كثيراً فيما ستكون إجاباتنا عند السؤال...