لم يكن استثناءً فعل ما يفعله كل الشباب عندما يرغبون في الزواج، فصورة فرسه الجميلة الكاملة في حسنها قد طبعت في مخيلته وسيطرت على كل مشاعره، يراها كل يوم عندما يختلي بنفسه، فيسامرها ويضاحكها ويقول كلاماً يراه أعذب من كل الشعر الذي يقرأه...
فهي تلك التي تستحق أن يُسْكِن عمره في ثناياها، بنت طويلة بقوامها المتناسق، وبقسمات وجهها الصغيرة، وشعرها الذي تلعب به الرياح دون سيطرة منها، يموج على كتفيها كما يموج البحر، وعيناها الواسعتان تأخذانه للبعيد كلما أمعن النظر فيهما، وتفاصيل أخرى عديدة لا تتجمع في إنسان نراه يسعى على الأرض رسمها في مخيلته وأقنع نفسه بعدم استقامة الحياة بدونها.
تولت والدته مهام البحث عن عروس حبيبها، وصارت عيناه التي يبصر بها ويقيم ما يعرض عليهما من جمال يختلف من بنت إلى أخرى، وبدأت وبعض نساء عائلته يتنقلن من بيت إلى آخر، ويستعرضن هذه وتلك، ويجمعن ما يستطعن من معلومات عن البيوت التي يزرنها والبنات اللاتي يسكنها، ليعرضن ما توصلن إليه على رجلهن الشاب الذي ينتظر بشغف ما يحملنه من أخبار.
ويبدأ التقرير اليومي.. (بنت فلان طويلة وبيضاء لكنها غير مملوحة، بياض بدون ملح، وبنت فلان شينة شعرها قصير وكنها سمينة شوي ومرجوجة، وبنت فلان طويلة ورزينة لكنها غامقة بالحيل، وبنت فلان جميلة وأنيقة لكنها متحررة شكلها قوية ما تناسبك).. إلى آخره من تفاصيل تفضح أسراراً وتكشف أستاراً وتبين صفات بنات الناس.. والحديث لا يتعدى هذا الجانب الشكلي، أما أخلاق البنت ودينها وعلمها وأخلاق بيتها وأهلها فهي مغيبة على أساس أنها موضوعات ثانوية لا تناقش في هذه المرحلة، أو حتى في المراحل القادمة التي يجب التثبت فيها من توافق مواصفات البنت الجسدية والشكلية مع تصورات فارس الفرسان، ويستمر البحث الذي قد تطول مدته لشهر أو شهرين أو أكثر والكلام هو الكلام لا يتغير ما قيل في السابق يعاد قوله بتغيير في أسماء أهل البيوت التي تمت زيارتها، حتى إذا استقر الرأي على مجموعة من البنات بدأت مرحلة الفرز والتمحيص والتدقيق في كل شيء إلا الدين والخلق، لتبدأ مرحلة التكافؤ في النسب بين خضيرية وقبيلية، وغنية أو فقيرة، سوداء أو بيضاء، فإذا استقر رأيهم على واحدة جاءت المفاجأة بعدم قبول البنت لولدهم للأسباب نفسها، فعريس الغفلة نسي أنه أيضا سيوضع مع غيره في نفس المفاضلة التي وضع حلمه فيها، وسيتولى الآخرون ما تولته أمه من مهام، فنحن مهما اختلفت مواقعنا نتناقل نفس الأفكار والممارسات لتنتهي حكايتنا بزواج الولد على بنت لم تكن في مخيلته ولم يكن يعرف لها عنوانا... والله المستعان.