قال لي صاحبي: أما تشاهد هذا الذي يجري على امة الإسلام في هذا الزمان؟ أما ترى هذا التسلُّط الغربيَّ المحكم على أمتنا، وثقافتها، وثرواتها الطبيعية، وهذا التدخُّل المكشوف في شؤونها الداخلية الذي أصبح من أهم سمات هذه المرحلة التي نمرُّ بها؟ أخبرني بموقف المسلم كيف يكون، وماذا يصنع؟ إني أكاد أختنق من هذه الأبخرة السياسية والعسكرية الخبيثة التي تتصاعد في أجواء أمتنا المغلوبة على أمرها، هل يمكن أن تضعني في جوٍّ نقيٍّ أتنفس فيه الهواء الطلق لأعيش؟!.
قلت له: لكل شيء سبب ظاهر أو خفي، وهذه الحالة التي نصطلي بها لم تأت من فراغ، هنالك أسباب كثيرة أوصلت الأمة ذات المجد والتاريخ والقيم والثروات الروحية والمادية إلى هذه الحالة التي تشكو منها، ونشكو منها جميعاً، ولكن السبب الأوَّل في هذا كلِّه هو البعد عن منهج الله، والتقصير في تحكيم شرع الله، والإهمال في التعلُّق بأهداب الدين، وهذا السبب - لمن يتأمل - هو الذي تنهار به الأمم مهما بدا أنها قوية متماسكة، وهو السبب الذي ينحدر به العالم الغربي بكل ما له من مظاهر التقدم والتطور الماديين، ينحدر ديناً وخلقاً ونحن ننساق وراءه في منحدره الخطير، فكيف لا تصل بنا الحال إلى ما ترى أيها الصاحب الحزين؟.
ألسنا منساقين وراء عدونا في أسوأ صورةٍ من صور التبعيّة والتقليد الأعمى، والانجراف مع التيار بلا بصيرة ولا رشد، ألسنا تابعين لعدونا مادياً وسياسياً وعسكرياً وثقافياً ولغوياً؟ ألسنا نهرع إليه في كل صيف منفقين بين يديه ما يزيد على ثلاثين ملياراً من الدولارات سنوياً من بلدٍ واحد من بلاد المسلمين، ناهيك عما ينفق من البلاد الأخرى؟ ألسنا نتجمل بتقليعاته في ملابسه وطرائق حياته، وأنواع طعامه؟.
ألسنا نتباهى برطانة لغته ونعد ذلك فخراً وشرفاً؟ ألسنا نلقي إليه بالآلاف من فلذات الأكباد ليتلقوا علومه وأخلاقه وطرق معيشته؟ كيف نعجب يا صاحبي من حالة الضعف والتدني التي تعيشها أمة تحارب نفسها بنفسها، وتدعم عدوَّها بطوعها واختيارها؟
حتى الأسرة التي تُعَدُّ المرأة ملكتها وصاحبة الأمر فيها مددنا إليها يد التقليد الغربي، فأصبحنا نعد المرأة لتكون مذيعة، ومراسلةً تلفازية، وخادمة في طائرة أو مطعم، وعاملة في مصنع، وسكرتيرةً تتجمل بها واجهات المكاتب، وبائعة تبتسم لكل من دخل وخرج، ونسينا في سكرة هذا المظهر المؤلم دور المرأة الحقيقي في منزلها الذي يُعَد أوَّل وأهمَّ مصنعٍ للرجال والنساء القادرين والقادرات على العطاء.سنن كونية يا صاحبي لا مناص منها، ولن يعتدل الميزان حتى نعود إلى القرآن تطبيقاً وعملاً، لا حفظاً وتلاوةً وأصواتاً طريَّة حسنة. يا لها من حقيقة لا مستوعب لها.
إشارة:
ماذا جرى؟ هذا السؤال الرَّمح ينفذ في الصميم.
www.awfaz.com