رغم حرارة الصيف وحرص الناس على البحث عن الأماكن الباردة وخصوصاً في بلدنا الغالي المملكة العربية السعودية إلا أنه يبقى للابتسامة شكلها الخاص الذي يميز أصحابها ويقربهم من القلوب ويحببهم إلى الآخرين، فالابتسامة تكسر كل الحواجز وتنهي كل الضغائن وتريح النفوس وتجمع القلوب وتدعو إلى المسامحة والتآلف والمحبة وتشجع على التعاون والتكاتف والتآخي ..
ولهذا نجد أن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام قد شجعنا جميعاً رجالاً ونساءً شباباً وشيباً شجعنا على الابتسامة التي هي من أسهل الأشياء ولا تتطلب من صاحبها كلاماً ولا عملاً سوى انفراج الشفتين مع طلاقة في الوجه. ودعونا أيها الكرام نتمعن جيداً في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) (رواه مسلم) فمن الفوائد اللطيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن احتقار أي شيء من المعروف بدليل قوله: (لا تحقرن من المعروف شيئاً) فكلمة (شيئاً) هنا هي نكرة في سياق النهي فتفيد العموم ومعنى ذلك أن لا يحقر الإنسان من المعروف شيئاً حتى لو كان ذلك الشيء هو الابتسامة. ومن الفوائد أيضاً أن الابتسامة هي أقل أنواع المعروف وذلك لأنها لا تتطلب مزيد عمل أو جهد وإنما يكفي فقط المبتسم أن يتبسم دون أن يتكلم أو يعمل شيئاً. ومن الفوائد كذلك أن الابتسامة من المعروف لأن طلاقة الوجه هي التبسم والبشاشة فتكون من المعروف وهذا يدل على أن المبتسم يؤجر على ابتسامته وطلاقة وجهه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه هنا معروفاً والمعروف هو إسداء الخير للغير فيكون مأجوراً عليه صاحبه ويدل على ذلك أيضاً أن العلماء عرفوا حسن الخلق بتعريف شامل لهذا المعروف فقالوا: إن حسن الخلق هو بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه، ولا شك أن للابتسامة العديد من الفوائد والثمار التي يحصل عليها المتبسم كما يحصل عليها الآخرون، ومن ثم تعود تلك الفوائد والثمار على المجتمع بأسره.
فمن الفوائد والثمار التي تعود على صاحب الابتسامة رجلاً كان أو امرأة:
1- أن المبتسم يكون قد أطاع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا التوجيه النبوي وهو طلاقة الوجه والتبسم ولو لم يحصل المبتسم إلا على هذه الفائدة لكفته.
2- محبة الآخرين فإن الشخص المبتسم يكون محبوباً من الآخرين ولا شك أن كل عاقل وعاقلة يسعى إلى الحصول على محبة الآخرين ويجتهد في الأخذ بأسبابها ومن أسبابها الابتسامة والبشاشة.
3- أن المبتسم يحظى بما يريده من الآخرين من مطلوبات مباحة أو عفو عن زلل أو مسامحة على خطأ فإن الرضا عن هذا المبتسم البشوش يحقق له ما يريد الوصول إليه من أهداف نبيلة ومساع طيبة لا سيما إذا كان من الدعاة إلى الله تعالى وقد أحسن من قال:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا
أما الفوائد التي تعود على الآخرين فهي كثيرة جداً ومن أهمها:
1- الارتياح لهذا الشخص وغالباً ما يؤدي هذا الارتياح إلى السؤال عن ذلك الشخص ثم بعد معرفته تبنى جسور الثقة التي كان أساسها تلك الابتسامة وهذا أمر مهم.
2- التعاون مع هذا المبتسم سواء كان في عمله أو فيما يحتاجه من مساعدة أو قبول ما عنده من الحق، وقد بين الله تعالى أهمية ذلك في كتابه الكريم بقوله: (ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا منة حولك).
فالفضاضة من الشخص وكونه دائماً مكفهر الوجه حاد الطبع تجعل الناس يبتعدون عنه أما الابتسامة والبشاشة وطلاقة الوجه وحسن التعامل فإنها تجعل الناس يقتربون من هذا الشخص ويستمعون إليه وهذا هو المهم فإن الناس يستفيدون من هذا المبتسم ويستمعون إليه بسبب كونه بشوشاً مبتسماً محباً لهم وليس العكس.
وأما الفوائد التي تعود على المجتمع فهي كثيرة أيضاً لكن من أبرزها:
1- التعاون والتكاتف والإنجاز فإن المجتمع الذي يتعامل أفراده فيما بينهم بالابتسامة والود والوفاء يكون مجتمعاً متعاوناً ومنتجاً ومتكاتفاً فإن للابتسامة أثراً نفسياً عجيباً في الإخلاص والتحمل والوفاء وهذا بدوره يؤدي إلى التعاون والإنجاز الذي يسعى إليه كل مجتمع من المجتمعات.
2- أن الابتسامة تشيع روح المحبة في المجتمع.
والحب في المجتمعات يؤدي إلى الكثير من الأمور التي يحتاجها الأفراد والتي من خلالها يتلاحم أفراد هذا المجتمع ولهذا نجد أن الشريعة الإسلامية قد جاء فيها في نصوص كثيرة التشجيع على الحب أو المحبة في الله لكل مسلم ومسلمة في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) وقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). وغير ذلك من النصوص. فلنبتسم في الصيف وفي غير الصيف لنحصل على هذه الثمار ونفوز بتلك الأجور والله من وراء القصد وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
عضو الجمعية الفقهية السعودية