بمبادرة حوار الأديان قدم الملك عبدالله بن عبدالعزيز خدمة للإسلام لم يقدمها حكام المسلمين منذ قرون طويلة. بعد الحادي عشر من سبتمبر استغلت قوى الشر العالمية على كلا الجانين (الإسلامي والمعادي للإسلام) انتساب بعض الإرهابيين للإسلام للنيل من القيم الإسلامية وتوظيفها في صراعها. يخبرنا التاريخ أن الصراع بين الأفكار والأديان والإرادات مستمر منذ الأزل ولكن الأعمال الموجهة للإسلام اتخذت عداء جماعياً بعد أن تلقفه الإعلام الصهيوني الأمريكي (النافذ عالمياً) وحوّله إلى صراع بين الإسلام وبين شعوب الأرض قاطبة, بين الإسلام وبين الحضارة الإنسانية، بين الإسلام وبين القيم الإنسانية النبيلة حتى تحول صراع الأفكار العالمي التاريخي المختلط إلى صراع بين قوتين فكريتين فقط: الفكر الإنساني بأديانه وأفكاره المختلفة من جهة والإسلام من جهة مقابلة. ساعد على ذلك قوى محلية متنوعة. بدأت شرارتها بتحطيم طالبان للتماثيل البوذية (في أفغانستان) مروراً بفتاوى الجهاد وترسيخ ما سمي بالولاء والبراء لتوطين العزلة، إلى أن بلغت الحملة ذروتها بمهاجمة الولايات المتحدة في عقر دارها, ولم تتردد قوى أخرى داخل العالم الإسلامي عن زيادة وقود هذه الحرب حتى دخلنا في خطابي التدمير والفوضى: الفوضى الخلاقة (الأمريكية): إلغاء الاستقرار في العالم الإسلامي وإدارة التوحش (بن لادن ووكلائه المحليين) وهي النسخة البنلادنية من الفوضى الأمريكية. دخل العالم الإسلامي عملياً في حالة حرب مع العالم. لم يعد هناك معتدلين أو متطرفين في صفوف المسلمين. فحسب الأجندة الصهيونية هناك مسلمون متمردون وهناك مسلمون مذعنون لا يوجد بينهما كتلة ثالثة. مبدأ الصراع الدائر الآن كما أعلنه طرفا الصراع: من ليس معنا فهو ضدنا (بوش) والعالم فسطاطين كما صرح بن لادن. فالمسلم الطيب هو من يؤيد احتلال العراق ويصمت عن قتل الأطفال الفلسطينيين ويرهن بلاده للقوى الكبرى والمسلم الطيب في الجهة المقابلة هو الذي يفجر في الرياض بنفس الحماسة والعقيدة التي بفجر بها قافلة أمريكية في العراق. حسب وجهتي النظر العالميتين المتقاتلين لم يعد في العالم الإسلامي والعربي بشر يستحقون السلام والاستقلال معاً. إما الإذعان أو الحرب.
هذا الوضع الخطير يحتاج إلى مبادرات خلاقة تؤكد على القيم الإنسانية قبل أي شيء, فالمسلم أو اليهودي أو المسيحي أو السيخي قبل أن يكون كذلك هو إنسان. ثمة قيم مشتركة لا حدود لها. عندما ينغمس الإنسان في الصراع وتستولي الإيدلوجيا السياسية (المغلفة بقيم دينية) عليه يتنازل عن أهم حقائق وجوده وهي الإنسانية. المبادرة التي تقدم بها خادم الحرمين الشريفين بكل شجاعة واقتدار تأتي لرفع حدود التحاور ثم التلاقي بين الشعوب. البحث في جذور الوجود نفسه. كل إنسان على هذه الأرض ينطوي على مطالب أساسية تتصل بالسلام والحب والعيش الكريم والحرية والأمن. هذه قيم سابقة في وجودها على كل القيم الأخرى وموجودة في روح الإنسان. في دفاعه عن دين الإسلام أخرج الملك عبدالله بن عبدالعزيز القضية من قبضة دعاة الإذعان الأمريكي والاحتراب البنلادني إلى طريق ثالث يحفظ للمسلمين حقهم في السلام المقرون بالاستقلال ويحفظ للآخر (الأديان كلها) حقها في الاحترام غير المنقوص.
Yara.bakeet@gmail.com