على الرغم من النهايات التي وصلت إليها أفعال حكومات الأنظمة الشمولية التي قامت ونبعت وتتبع أيدلوجيات عقائدية دينية أو قومية أو فلسفات وضعية أقامت أحزاباً كونية.
على الرغم من هذه النهايات المعروفة وبخاصة في منطقتنا، ورغم كل الجهود والأموال المبذولة، فلم يعد من تأثير للمد الناصري في المنطقة العربية، وانهار الفضاء الاشتراكي الذي بناه الاتحاد السوفياتي والشيوعيون، وظلوا يصرفون عليه ويرعون حكومات وأحزاب ما سمي بالكتلة الاشتراكية طوال خمسة عقود.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي تساقطت الحكومة واندثرت الأحزاب واختفى الأنصار سواء في شرق أوروبا أو في الشرق الأوسط؛ فلا الشيوعيون أصبح لهم وجود ولا الناصريون لهم صوت حتى في بلاد الناصرية..!!
النهاية التراجيدية لتكوينات الأنظمة الشمولية والتجمعات الحزبية والعنصرية والطائفية التي لم تقتصر على الرابطة الأممية للشيوعية ولا على التجمعات القومية فحسب، بل انعكست أيضاً على التكوينات العرقية للصرب الذين أُجبروا على تفكيك كيانهم العرقي فقسمت يوغسلافيا التي كانت تمثل (أمبراطورية الصرب) وانعتق عنها المسلمون وكونوا دولتهم في البوسنة والهرسك، وانشق الكروات مكونين دولة حملت اسمهم وقبلهم فعل السلاف وأنشؤوا جمهورية سلوفينيا، واُنتزع إقليم كوسوفو مما تبقى من يوغسلافيا التي أصبح اسمها (صربيا) ليكون إقليم كوسوفو دولة مستقلة للألبان المسلمين، وحتى الصرب الآخرون في الجبل الأسود فكوا ارتباطهم بالدولة الأم، لتصبح جمهورية الجبل الأسود جمهورية مستقلة، رغم أصول مواطنيها الصربية.
على الرغم من كل هذه النهايات، وكل التجارب المأسوية للأنظمة الشمولية والتجمعات الحزبية والعنصرية والطائفية والفلسفات الوضعية، إلا أن الأطماع الإقليمية والأحلام المبنية على طموحات وأماني تاريخية تدفع الأنظمة المنبثقة والتابعة لأيدلوجيات طائفية أو قومية إلى تكرار التجارب حتى وإن انتهت إلى تلك النهايات المأساوية، والأخطر من ذلك حينما تمتزج التوجهات العقائدية الطائفية المذهبية بالعنصرية القومية، كالموجود في النهج الإيراني؛ إذ ليس خافياً بأن النظام الإيراني وإن رفع شعار الإسلام إلا أن أيدلوجية النظام تعتمد على مرجعية المذهب الشيعي الجعفري الذي يأخذ بمدرسة (حوزة قم) التي يغلب عليها الطابع الفارسي، وحتى مبدأ (ولاية الفقيه).. المبدأ الذي يعد أساس الحكم في إيران لا نجد له تأثيراً قوياً في المدرسة العربية للمذهب الشيعي الجعفري (حوزة النجف) وهذا ما جعل كثيراً من المفكرين والعلماء من الشيعة وغيرهم يعدون نهج وخط (حوزة قم) نهجاً يدمج بين الفكر الطائفي المذهبي والانتماء العنصري، وهو ما يفسر دمج التوجهات المذهبية الشيعية والطموحات السياسية الإقليمية لنظام إيران، ويفسر أيضاً حماس وجهود ممثلي إيران في الخارج لنشر التشيع، وبخاصة في الدول العربية.
jaser@al-jazirah.com.sa