إنه المكان الذي تحبه القلوب السليمة، وتأنس فيه النفوس المستقيمة، نعم أيها الأحبة، لقد فُطِر الناس على حب أوطانهم كفطرة سوية أصيلة، فتجدهم يشتاقون إليها متى ما ابتعدوا عنها، ولو تغربوا.. فإنهم يتلهفون كي يشاهدوها أو يسمعوا أخبارها. أو لم نسمع إلى العقلاء والحكماء من قديم الزمان وحديثه، وهم بأوطانهم يتغزلون، وبأرضهم ومنازلهم يفتخرون، ولها يحنون، وينشدون، وعنها يدافعون، فكيف إذا كانت هذه الأرض وهذه البقاع هي مهبط الرسالات والرسل، ومأرز السلامة والإسلام، ودار الأنبياء وبلد القبلة، ومحضن أصول العقيدة والسنة، إنه المكان الذي ما فتئ يحبه المسلمون في كل مكان، ويبغضه الحاقدون والحاسدون، ويشن عليه الحرب الكافرون والمنافقون، إنها دار السلام والإسلام الأولى؛ فعلى أرضها نشأ وبين أرجائها.. سهولها وجبالها، وفي كل مكان منها شب الإسلام وترعرع وانتشى، وهي مع ذلك خط الإسلام الأخير.. فيا لجزيرة العرب ويا لأرض الحرمين الشريفين.. قاعدة الإسلام والسلام ومنطلقه، والتي لن تكون بلاد كفر أبداً، أأُنسينا أم نسينا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحرش بينهم) يقول ابن رجب رحمه الله: (المراد أنه يئس أن تجتمع الأمة بأكملها على الشرك الأكبر). ألا ترون معي أن الإسلام حين يُضطهد في خارج الجزيرة العربية، فإنه إليها ينحاز ويأوي؟ وهذا لا أقول له من باب التعالي أو التفاخر أو التعاظم؛ إنما ليتضح أمام نظر كل ناظر، وليظهر جلياً لكل عاقل أننا لا نحب بلادنا من باب الفطرة وحسب؛ إنما نحن نحبها مع ذلك جبلة وديانة، نعم؟! فليفطن الجميع لذلك، وليكن عملنا جميعاً -يداً بيد، وقلباً بقلب- التعاون على البر والتقوى، والصلاح والإصلاح، ونصرة الدين، والحفاظ على أمن الوطن وأمانه، وسلامته وإسلامه، وأرضه ومقدراته.
لقد قدمت ما قدمت لما ظهر شيء من الفساد والمفسدين، ممن يرغبون إثارة القلاقل والفتن، وزراعة المخازي والإحن، فمن طائفة من السفهاء الساذجين، العابثين بمقدرات البلاد، فأظهروا في الأرض الفساد من نشر للفواحش والمنكرات، وركوب للمعاصي والمحرمات، ومبارزة للخالق اللطيف رب الأرض والسماوات، بألوان من الذنوب والآثام، فهذه المعاكسات مثلاً، وهذه ظاهرة الدوران في شوارع معروفة لأغراض فاسدة منكرة محرمة، تجر إلى الكبائر والرذائل ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا انتشار تعاطي المسكرات والمخدرات، وهذه أنواع التجمعات لإقامة حفلات مشبوهة مليئة بالعربدة والموبقات، إنها طوام تزعزع أمن الوطن والمواطن وتذهب أمانه وسلامته وإسلامه، إنها تعجل بالعقوبة، وتدق ناقوس الخطر على أرجاء المعمورة، فاللهم يا رب العالمين يا رحمان يا رحيم سلم سلم.
ومن فئام من الشباب ضلوا الجادة والصواب، فغرر بهم، وزُين لهم سوء عملهم، أخذوا يبذرون الفتنة في أرضنا قتّلوا، وكفرّوا، وزندّقوا، وفجرّوا، أرجفوا في الأرض، وزادوا من سوء عملهم سوء تعليلهم وفساد تخريجهم واستدلالهم.. فأضاعوا أنفسهم، وضيعوا بلادهم، بسبب فكرٍ بني على باطل، فلم يدرسوا الشريعة ولا الدين بحق، ولم يلتصقوا بالعلماء العاملين بصدق، فأصبحوا كمن يريد تحقيق مآربه ومقاصده، أياً كانت ضارباً بالدين أولاً، وبمصالح المسلمين ثانياً، وبأمن البلد وأمانه ثالثاً، وبغير ذلك.. كلهم يضرب بهم عرض الحائط.. إن ما يفعله هؤلاء وأولئك حرام ومنكر ليس فيه التباس فهو باطل، وخطأ محض، مخالف للأدلة المتكاثرة المتواترة من الكتاب والسنة والإجماع، وحتى القياس، إذاً هذان منكران خطيران، وطريقان نهايتهما هلاك، ودمار، وفساد، وإفساد، ونار وشنار.. فالحذار الحذار من شرهما ومن مغبة السكوت عليهما.. قال رسول الله صلى الله وسلم: (لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذنّ على يد السفيه، ولتأطرنّه على الحق أطرا، أو ليخالفن الله بين قلوبكم..) الحديث.
فلنقل جميعاً لا.. ثم لا.. ثم لا.. للعابثين واللاهين المضيعين لدينهم.. الراكبين للذنوب والمعاصي والمستهزئين بحرمة الدين.. وبنظر رب العالمين لهم. ولا ثم لا.. ثم لا.. لأولئك المفسدين المخربين الذين يحلون ما حرم الله.. فيفجرون أو يسعون في الأرض فساداً.. اللهم اكفنا شرهم ورد كيدهم في نحورهم وانصر الإسلام والمسلمين عليهم واحفظ لنا ولبلدنا وأمتنا أمننا وإيماننا وسلامتنا وإسلامنا.
القاضي بالمحكمة بمدينة الرياض وخطيب جامع الشيخ محمد بن سلطان بحي الصحافة بالرياض