إن من الأخطاء الفادحة عدم استثمار طاقات الشباب واكتشافها وتشجيعهم على الإبداع والبناء؛ فاستثمار العقول والأفكار وتوجيهها للعمل والإبداع هو الواجب على الأمة.
فتلك المواهب التي يتمتع بها الكثير من الشباب بقيت حبيسة في نفوسهم وربما استُغلت خطأً فيما يعود عليهم بالضرر، أو استغلها غيرهم بتوجيههم إلى ما يضرهم ولا ينفعهم.
وإن أسلوب التفريغ والإشعال دون تنمية هو هدر لتلك المواهب التي البلاد بحاجة إليها، وإن كنا نشتكي إهدار المياه والكهرباء وتلك تصرفات لا تجوز شرعاً ولا عقلاً، فإهدار طاقات الشباب ومواهبهم أعظم وأشد؛ فتلك القدرات إذا لم تُستغل وتستثمر فقد يستغلها الغير، وإن لم توجه إلى الإبداع والعمل والبناء فإنها تتجه مع ضعف الإدراك وطيشان الشباب إلى الهدم والإفساد.
ونحن مقبلون على فراغ قاتل للشباب في وقت يجد الشباب فراغاً تهدر فيه أوقاتهم وجهدهم وإبداعهم ومواهبهم فما هو الطريق الصحيح لاستثمار هؤلاء الشباب، والاستفادة منهم.
فأقول إن أول طريق للاستثمار أن ننظر إلى هؤلاء الشباب نظرة إعجاب وإكبار لما يحملونه من مقومات وإمكانيات، وإحساسهم بالمسؤولية تجاه أنفسهم وبلادهم.
ونظرة التقدير والاحترام تدفعهم للعمل والإنتاج والإبداع، وكلما كانت النظرة نظرة احتقار أو النظر إلى هؤلاء الشباب بأنهم مشكلة يجب تخفيفها أو إشغالها بالملهيات ومزيجات الوقت.. حينئذ حطمت المعنويات وهدمت الآمال.
وإن زرع الثقة بهم والاعتماد عليهم ودفعهم للإبداع طريق لاستثمارهم والنظر إلى أنهم في طريق الإعداد والبناء فنتقبل أخطاءهم ولنتجاوز عنها إعداداً لهم وتربية وتدريباً.
إنك لتعجب من البعض من الشركات والمؤسسات التي يفرض عليها توظيف الشباب فلا تمكنهم من العمل بل تدفع لهم مرتبات مقابل الحضور سويعات دون عمل أو الجلوس في البيوت واستلام المرتب آخر الشهر.
أليس هذا قتلاً للشباب ومواهبهم وإهداراً لجهودهم؟
أليس هذا تحطيماً للمعنويات والطاقات؟
وتجد البعض الآخر يعيب البيع والشراء والتكسب أو العمل بالأعمال المهنية؛ فينظر نظرة دونية لمن يعمل في هذا المجال، وتلك والله نظرة جاهلية حمقاء.
فالبيع والشراء والعمل والأكل من كسب اليد من أفضل الأعمال.
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب؟ قال (عمل الرجل بيده وكل كسب مبرور) وفي رواية (وكل بيع مبرور) رواه أحمد وهو صحيح.
ومن طرق استثمار الشباب:
الإحساس بالمسؤولية تجاههم وقيام كل فرد في المجتمع بدوره حيالهم وعدم وضع العقبات والعراقيل أمامهم وفرض الافتراضات والتوقعات والتوهمات في طريقهم.
فأين الشركات والمؤسسات من تقديم ما هو مفيد ونافع للشباب؟ أين الوزارات والجهات الحكومية من دورها؟
أين تجار المسلمين؟.. ماذا قدموا لاستثمار طاقات شبابنا والاستفادة منها؟ أين الهمّ الذي نحمله لهم؟
إننا بحاجة إلى استشعار المسؤولية تجاه هؤلاء الشباب الذين هم أبناء البلاد وعمادها.
ولكن ما يقدم لهؤلاء الشباب ليس وقتياً محدوداً بزمن معين ولا يحمل هدفاً ولا يقدم نفعاً.
فأسلوب قتل الفراغ وتزجية الوقت ووسائل الترفيه التي لا تعتمد على التدريب وصقل المهارات تهدم ولا تبني وتحطم ولا تنمي.
فنحن بحاجة إلى بناء العقول والفكر واستثمار الطاقات ودفعها إلى العمل والإبداع وتبصير الشباب لتنويرهم بواقعهم ومسؤولياتهم وتقديم الأفكار للشباب والاستفادة من أفكارهم وتشجيعهم عليها.
وتبدأ المسؤولية على الأب أولاً (والرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته).
هل فكّر كل واحد منا بماذا يستثمر طاقات أولاده ولماذا؟
فالواقع الذي يعيشه الشباب واقعاً مأساوياً وبالأخص في تلك الإجازات بين سهر في أماكن مشبوهة ونوم عن الصلوات، أو سفر أو ضياع وتسكع وإيذاء وإفساد فيضرون أنفسهم وغيرهم.
فالأولاد من بنين وبنات هم بحاجة إلينا، بحاجة إلى العطف والحنان والتدريب والتوجيه، بحاجة إلى زرع الثقة بهم والاعتماد عليهم، بحاجة إلى فتح الآفاق أمامهم وطريق الأمل والنجاح لهم.
وإن الألم ليعتصرك حين ترى الفئام من الشباب يهيمون بلا هدف ولا هوية.
أوقات مهدورة وطاقات مهملة ونفوس خاوية تبحث عن المتعة واللهو؛ لأنها لم تُربَّ على كيف تنجح وكيف تتحمل المسؤولية وكيف تنظر إلى الحياة.
وإن إعداد النفوس واستصلاحها مهمة صعبة تحتاج إلى جهود وإعداد وإلى تخطيط ودراسة.
وتلك إشارات سريعة لاستثمار تلك الجهود والطاقات والمواهب المهدرة التي تخسر البلاد بهدرها وتتراجع عن التقدم بسبب ذلك الهدر.
وإن هناك ثمة جهود تذكر فتشكر من دورات ومراكز وفرص عمل لكنها لا تكفي ولا تشفي وتحتاج إلى إعادة نظر وتجديد وإبداع وشمولية أكثر؛ فهي أعمال تتكرر لا تستهوي الشباب ولا تشفي غليلهم ولا تصقل مواهبهم.
فنحن بحاجة إلى التكامل في الطرح ومراعاة الهويات والمواهب والتفريق بينها، فما يصلح لهذا قد لا يصلح للآخر، وكل ميسر لما خُلق له.
فالذي يعد فاشلاً في مجال فهو مبدع وناجح في مجال آخر، فما علينا إلا الاكتشاف والتنويع في الطرح والبُعد عن التقليد والتكرار والاستعانة باتحاد الجهود والتعاون على البر والتقوى.
فالإجازة فرصة للعمل والتدرب واكتساب المهارات وتوجيه الطاقات، فها هي المراكز الصيفية المنتشرة في بلادنا، وهاهي الدورات في الحاسب وفي غيره موجودة.
ما الذي يمنع أن يوجَّه الأبناء لتعلم المهن والحرف لكي يكسب صنعة ويستفيد من وقته، ويتدرب على العمل والإنتاج؟ أو الالتحاق بالوظائف الحكومية في الإجازة أو بعض الشركات؟ والعمل ليس عيباً إنما العيب البطالة والضياع.
إنّ نشأة هذا الجيل نشأة الترف والضياع؛ ما يؤثر على النجاح في المستقبل، فلا بد من تعويده على الجد والمثابرة وليتحمل المسؤولية منذ البداية.
وهمسة في أذن كل ولي:
أن نقول له إن الإجازة منزلق خطير لما يعيشه الجميع من الفراغ القاتل؛ فيجتمع المال وجليس السوء مع الفراغ والشباب فيكون سبباً للفساد والإفساد.
فلا بد من تكثيف الجهود واتحاد الجميع لكي تكون الإجازة وسيلة للنجاح والفائدة. إضافة إلى ما سبق لا بد أن يقوم البيت بدوره، فيضع رب الأسرة برنامجاً خاصاً بعائلته يجمع بين الفائدة والترفيه والرعاية والقيام بواجب الأمانة.
كلل الله المساعي بالنجاح.