استضافتني عبر الهاتف محطة إذاعية ألمانية في برنامج يناقش مدى جدوى وسلامة دور مركز ألماني يتولى حماية الشباب والأطفال من المواد المسيئة عبر الإنترنت، وذلك بحجبه المواقع التي يقدم الناس عليها ملاحظاتهم وشكاويهم وتتم متابعتها إذا تم التأكد من شروعها في بث مواد جنسية أو مشاهد عنف أو ألفاظ دالة على التمييز العنصري أو الديني، وما إذا كان هذا الدور يتنافى مع حرية الفرد بمشاهدة ما يريد!
* سعدت بالمشاركة في الحوار والاستماع إلى آراء متنوعة عن حدود حرية التعبير ومتى تبدأ ومتى تنتهي وما هي المصنفات التي تخرج من حدود المراقبة والمصادرة، وهل تخضع المواد الفنية أيضاً للمقاييس ذاتها؟
* فوجئت بأن آراء شباب وشابات ألمانيا التي بثت المحطة تسجيلات للقاءات عشوائية معهم كانت قريبة جداً من آرائي، لكن المبررات كانت بالتأكيد تختلف حسب الثقافة.
* الأخبار السياسية لا بد أن تخرج عن دائرة الحجب؛ فلا بد أن نعرف كل شيء عن العالم الذي نعيش فيه, لكن هذه الأخبار لا بد من نقلها بصورة محايدة ومجردة وغير منتقاة, لكن لا بد من عدم مرافقتها لصور دماء وعنف خاصة في أوقات مشاهدة الأطفال، وهي مصنفة عالمياً من الثالثة ظهراً حتى الثامنة مساء, ومن يتجاوز هذا التوقيت يتحمل وزر آثار ذلك على أطفاله.
كل الآراء اتفقت على نبذ العنصرية، وضرب البعض مثلاً بالحديث عن النازية ورمز هتلر، وأن ذلك يُعدّ خرقاً لحقوق الإنسان القائمة على نبذ التمييز والعنف.
فوجئ بعض المتحاورين برأيي حول الأدلجة، وأن الإعلام الأوروبي والأمريكي له أجندته الخاصة التي يمررها عبر الحجب والبث؛ فكل المواد والتقارير تمر عبر فلترة خاصة تتبع أهداف المحطة ومن تتبعه من الأحزاب اليمينية أو اليسارية.
كلنا مؤدلجون، نخدم أجندتنا الخاصة التي تتمثل بالسياسات العامة التي يتفق عليها المجتمع ويختار أن يكون عليها وأن تكون سمة خاصة له يتوارثها الأجيال لتشكل هويته.
* أفكار شباب وشابات ألمانيا ترفض العنف وإشاعة الجنس، ويرون ضرورة حماية الأطفال وصغار السن من تلقي معلومات مغلوطة، وهم بالتأكيد ينطلقون من قاعدة مختلفة عنا، لكنها في النهاية تتفق على ضرورة الحجب والملاحقة القانونية.
* الفضيلة فطرية ومتفق على أساسياتها، وخيرية المجتمعات والأديان موجودة ومشتركة؛ فقيم الحق واحدة؛ لهذا تنطلق دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز لحوار الأديان الذي يفتتح مؤتمره في إسبانيا.
تحدثت عن تجربة مدينة الملك عبد العزيز وأنها تحجب أولاً ثم تطلب أن يقدم الفرد أسباباً لرغبته في رفع الحجب، وتجد هذه الجهة قبولاً عاماً، ويختلف معها قلة. عكس ما يحدث في ألمانيا التي ينتظر فيها المركز طلبات الحجب من الأفراد ثم ينظر في وجاهة الطلب ومصداقيته قبل التنفيذ!!
المركز الألماني أهلي، وبالتأكيد الألمان يرفضون أن يكون هذا الدور حكومياً, لكني قلت إن للدولة صلاحياتها الواسعة وقدراتها الإمكانية التي تؤهلها للمتابعة، كما أن للدولة صفتها الاعتبارية التي تجد قبولاً من أفراد المجتمع أكثر من أن يكون الأمر من قطاع أهلي، وذلك وفق ثقافة تؤمن بأن الدولة مسؤولة عن كل شيء وأي شيء، ولهذه النظرة سلبياتها وإيجابياتها, لكن دخول فكرة الجمعيات والنقابات ستخلق اتجاه المشاركة الإيجابية وتبني المبادرات.
* طلبت مني المذيعة أن أعرّف بنفسي، فقلتُ: امرأة سعودية تؤمن بأن وطنها فضاء قادر على احتواء أحلامها, كاتبة منتظمة ثلاث مرات أسبوعياً في صحيفة يومية هي جريدة الجزيرة, قاصة صدر لي مجموعتان قصصيتان, أنهيت بحثاً لنَيْل درجة الماجستير عن كتابة المرأة ومدى اختلافها عما يكتبه الرجل عبر دراسة تطبيقية وتحليلية لروايات أديبة سعودية هي رجاء عالم, وأُدير تحرير مجلة تربوية شهرية هي مجلة المعرفة, زوجة لرجل نبيل يساند المرأة في طموحاتها المشروعة، نتشارك معاً بسعادة في تربية أبنائنا, أسسنا منهجاً تقبله أبناؤنا يقوم على الحماية الأبوية التي تنتهي حينما تظهر علامات النضج الفكري عليهم, على الرغم من أننا نستخدم شبكة إنترنت فضائية مراوغة للحجب, لكن وقت الإنترنت وقت عام تتشارك الأسرة فيه, لا يوجد تمديدات شبكة في الغرف الخاصة, تلقي المعلومات يتم تحت الضوء وتصحيح الخطأ فيها يتم في لحظة تلقيها, لدينا مركز أسري مشابه لمركز ألمانيا!
قالت المذيعة: إنك من القلائل المتفائلات. قلت: لفألي مبرراته ومعطياته. ثم تساءلتْ: هل تملك المرأة السعودية بصفة عامة هذا الطموح وهذا التنوع الثقافي؟ أجبتُ: لدينا ما هو يرقى إلى العالمية في العلوم والطب والبحث العلمي. كما أن لدينا عوائق متعددة وعثرات, لدينا نماذج جامحة تجيد قفز الحواجز نحو أحلامها في وطنها.
* fatemh2007@hotmail.com