هل انتهت قضايانا، وحلت مشاكلنا، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل أحداث الحادي عشر من شهر هياج أبراج التجارة العالمية؟! والتي بات مصدر شؤم على كل ما له علاقة بالتجارة والبيع والشراء، حتى قوت البسطاء الذي دهمته زمجرة التجارة العالمية التي فقدت أبراجها، فلم ينج أحد بعدها من أتون غضبة الغلاء الموجعة، فهل تلاشت كل هذه المنغصات ولم يبق إلا موضوع (ختان البنات) لنناقشه في العلن بعد أن كان يدار الحديث حوله خلسة في بعض المجالس خاصة، أو الصوالين والمنتديات وكأنه مكسرات نادرة أو مشروب عجيب، إنما تحول الآن فجأة الى قضية تتصدى له المؤتمرات والندوات.
الفقر يبطش بالناس، والجهل المرتب ينغص على الجميع، والرؤية القاصرة للحياة تزداد اتساعا، والإخوة الأشقاء وغير الأشقاء من كل حدب وصوب ينكبون بمؤتمرات تحدد وتوضح كيفية الختان العصري، وترفض ما هو قديم عفا عليه الزمان، في وقت يظل الأمر برمته شيئا من الماضي الذي لا يوازي ما نحن فيه من محن وقضايا آنية مُلحّة.
فرغم خطورة أمر الختان، وعدم حضاريته، ولما قد يسببه من ألم جارح، ومساس بقيم الإنسان إلا أنه قد يمارس في حدود ضيقة، وقد يكون وارد التداول في دول معينة، حيث من الطبيعي أن تتفاعل معه بشكل محلي، فقد يحل هذا الأمر من خلال برامج توعية مناسبة، أما أن يكون هو قضية الأمتين العربية والإسلامية فهذا هو أمر غير منطقي.
وطالما أن الفراغ الفضائي، والردح التثقيفي، ونمطية (التوعوية) التي باتت تقال بمناسبة وبدون مناسبة، والادعاء المضلل بطرق مواضيع مهمة ومثيرة فإن الختان على الرغم من كونه عملاً قد يكون فردياً، أو لدى فئة معينة، فقد نراه وقد صار زيفاً وكأنه قضية الأمة، بل يكاد يحمل هذا الضجيج إلى أروقة ومضارب (الأمم المتحدة) وغير المتحدة، ومجالس الأمن وغير الأمن بسبب هذه الهجمة الفضائية التي تروج لمثل هذه الهرطقات غير المؤثرة في الوعي.
فالأمر فيما يبدو حول أمر الختان على وجه التحديد يراد فيه حيثية الإثارة فقط، كلملامسة الحياء، ومداعبة الغرائز، ولا بأس من الاطلاع والمتابعة لمثل هذه المؤتمرات التي بات من المجدي عدم الاكتراث بأمرها بأي شكل من الأشكال.
فمن المؤذي أن تتحول هذه المؤتمرات التي عقدت حول الختان الى مناقشة قضايا قد تعيد الناس الى عقود بائسة وغاربة، ولا أمل بعودتها على نحو زواج البنت في الثانية عشرة، فإن كان الأمر كذلك فقد تكون القضية ذات طابع شخصي، أو يمارس من خلال فئة معينة لا ترقى إلى مستوى أن تكون قضية أمة أو مشكلة شعب من الشعوب، لكن بعض الفضائيات الفضائحية تريد من وراء ذلك إذكاء روح الطرافة والغرابة وتصوير المجتمع بأنه لم يعد قادراً على مبارحة ماضيه القديم الذي عفا على بعض عاداته كالختان وتزويج البنات عند سن الثانية عشرة، وكأن قضايانا حسمت، ولم يبق سوى هذه الهالات التي لا تعدو كونها مجرد إثارة، حتى وإن جاءت على هيئة مؤتمرات، فقد كان من الأجدى أن يكون مخصصاً لمناقشة قضايا الفقر والبطالة والغلاء الذي سيفرز مثل هذه الأمور التي لا تزيد الظاهرة - إن وجدت - إلا تعقيداً، وتغريباً.
Hrbda2000@hotmail.com