إدارة الحوار فن له أصوله وضوابطه، لأنه أرقى الوسائل الإنسانية في التخاطب الذي يميز البشر عما سواهم من المخلوقات الأخرى، وقد ازدادت أهميته في عالمنا المعاصر بسبب ازدياد التواصل الإنساني والفكري والثقافي والإعلامي.
ولكن مع ذلك فمازلنا نفتقد روح الحوار الراقي في جميع مناحي حياتنا، ونسير في طريق الاستبداد بالرأي والرغبة في إخراس الآخر وتعمد إهانته والتقليل من شأن رأيه، وهذا مما يعصف بالعلاقات الإنسانية أو العملية دون تدبر، لأن فيه إهانة لكرامة الطرف الآخر.
وقد لوحظ هذا الأمر بالذات في مواقع حياتية عديدة، لعل أوضحها (اللقاءات الإعلامية) وبصورة متكررة إلى حد أن المشاهد نفسه يُستفز من كثرة مقاطعة المذيع أو المذيعة للضيف الذي يترك عمله ويضحي بوقته الثمين فقط كي يسمع الاهانات، أو يقطع كلامه من أجل مداخلات تافهة غير منظمة ولا مدروسة تقلل استفادة المستمع.
ومن الأمثلة الحية على عشوائية الحوار: ما ارتكبه مذيع إحدى المحطات العربية المشهورة من خطأ فادح مع مسؤول قدير نال محبة الشارع العربي بسبب حلمه وإخلاصه ونشاطه وهو السيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية التي ينطبق عليها المثل القائل (العين بصيرة واليد قصيرة)، حيث أسكته المذيع الجاهل طويلا وقاطعه كثيرا بسبب المتداخلات المتبعثرة غير الواعية، وهو صابر في حلم نادر، الى أن وجّه له المذيع اتهاما محرجا قاسيا، وحينما بدأ بالرد قاطعه المذيع مطالبا إياه بالاختصار الشديد، حينها انقلب حلم الحليم غضبا مبررا حيث قال محتدا: لا لن أختصر في هذا الرأي بالذات، وفي هذا الموقف الذي تركت جميع مشاغلي من أجله.
ونلاحظ أمثال هذا الموقف كثيرا في مواطن أخرى خارج نطاق الإعلام، وذلك في (إدارة الندوات العلمية أو الأدبية) حيث يجرؤ بعض مديري الندوات على علماء أو أساتذة أو خبيرات بأساليب مقللة لشأنهم رغم أنها في كثير من الأحيان غير مقصودة إنما هدفها التنسيق والإخراج، لكنها تحرج الضيف كثيراً وتقلل من انطلاقته وإفادته، في سبيل أمور قد تكون أقل أهمية بكثير.
وهذا الكلام ينطبق أيضا على كثير من (حواراتنا التربوية والأسرية والاجتماعية) فقد يحرج مدير الحوار أحد موظفيه أو ابنائه أو تلاميذه، ويترك في وجدانهم جرحا عميقا لا يندمل أبدا يكون له في أحايين كثيرة ردود فعل مخلتفة، قد يكون ذلك المحاور لم يهدف إليها مطلقا إنما هو التسرع وسوء التدبير.
فيا ليتكم أعزاءنا مديرو ومديرات الحوار في أي مكان أو زمان (تجربوا أن تجعلوا أنفسكم في مواقف الآخرين) قبل أن تكمموا أفواههم بعنف لأي سبب كان وتحيلوا عليهم تراب المقابر الاحباطية، لأن هذا التصرف الراقي من أهم صفات (الشخصية القيادية) المعول عليها في أي مسيرة بناء بل أية حياة سوية.
g.al.alshaikh12@gmail.com