Al Jazirah NewsPaper Friday  11/07/2008 G Issue 13070
الجمعة 08 رجب 1429   العدد  13070
اختيار الموضوع أم مؤهلات الخطيب!!
منابر الجمعة.. الباب المفتوح لحل القضايا المجتمعية!

الجزيرة : خاص:

من المعلوم أن منبر الجمعة أعظم وسائل مخاطبة المجتمع المسلم على اختلاف أعمار أفراده، وثقافاتهم، ومستواهم العلمي والفكري، ويعد هذا المنبر الذي يشهده المسلمون نهاية كل أسبوع، ويستمعون إليه مباشرة دون أي وسيط، من العوامل المؤثرة في المجتمع المسلم من خلال ما يتناوله الخطيب في خطبتي الجمعة التي يفترض أن تكون مناقشة لواقع الناس، وحياتهم اليومية، ومعبرة عن مشكلاتهم، وهمومهم.

كيف يمكن أن نستفيد من منبر الجمعة في علاج مختلف مشكلات المجتمع وقضاياه، سواء كانت دينية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو أمنية، وماذا يفترض أن يتوفر في الخطيب من صفات وآداب تحقق هذا الهدف في علاج قضايا المجتمع، وتشكيل الرأي العام؟ كانت تلك التساؤلات التي طرحناها على عدد من خطباء الجمعة.. فماذا قالوا؟!

الموضوعات النافعة

في البداية يرى الشيخ عبدالعزيز بن محمد الحمدان - إمام وخطيب جامع الأمير عبدالله بن محمد بالرياض أن خطبة الجمعة وسيلة مهمة من وسائل الإرشاد والتقويم والتذكير، حيث إنها معنية بمخاطبة مجموعة كبيرة من الناس في يوم مخصوص وساعة مخصوصة وهم يتفاوتون في مستوياتهم الإيمانية والعقلية والفكرية والثقافية والسلوكية، ويتباينون كذلك في الالتزام والتقوى والاستجابة والتأثر لما يقوله الخطيب، إضافة إلى ذلك تتعدد المشكلات وتتنوع القضايا التي يطرقها الخطيب في كل جمعة، بما أن فرصة الجمعة فرصة ثمينة له تتكرر مرة كل أسبوع للتأثير على ذلك العدد الكثير من الناس الذين يأتون راغبين غير مجبرين.

ولكل ذلك وجب على كل خطيب أن يجتهد في إعداد خطبته وتنقيحها وتجويدها حتى تتحقق أهدافها المرجوة.

كما أن على الخطباء أن يجعلوا منابرهم هداية وإرشاد وتوجيه لما يجمع الكلمة ويوحد الصف ويزيل العداوة والشحناء ويحل المشكلات وينفع الناس في دينهم ودنياهم ويقع في دائرة اهتمامهم، ولا يخرجوا إلى موضوعات لاتفقهها العامة أو لا تهتم بها.

إن موضوع الخطبة هو لبها وروحها وبحسب الموضوع يكون أثر الخطبة، والخطيب الذي يقدر سامعيه ويحترمهم ويقدر أوقاتهم يحرص غاية الحرص على موضوع الخطبة ويجتهد غاية الاجتهاد في أن يكون موضوعها نافعاً للناس، كما أن خطبة الجمعة مناسبة أسبوعية ثابتة يتعين على المسلمين العناية بها والمحافظة عليها والتأسي فيها شكلاً ومضموناً بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتتركز وظيفة خطبة الجمعة - والكلام للشيخ الحمدان - في ثلاثة أمور: الوعظ والتذكير، وتعليم المسلمين دينهم عقيدة وشريعة وأخلاقا، وإرشاد الناس وتوجيههم إلى مافيه مصالحهم في حياتهم وأحوالهم المتجددة المتعددة.

والخطبة هذه دعوة إلى الله تعالى، فمن واجب القائمين بها أن يهتدوا فيها بالحكمة وبالأحكام المتعلقة بالدعوة، ومتمسكين في ذلك بنصوص الكتاب والسنة الواردة في الموضوع وبمقاصدها وهداياتها.

ومن الفقه أن يجعل الخطيب خطبته في يوم الجمعة دعوة إلى أصول الخير وفروعه، ونهياً وتحذيراً من الشر وأصوله وفروعه، دعوة إلى الإسلام في عقيدته وشريعته وأخلاقه وتعامله، ومن الفقه أيضاً أن يبتعد الخطيب عن إيراد الروايات المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والواهية مكتفياً بالثابت بمختلف درجاته، وليس كل موضوع يصلح أن تكون في خطبة جمعة، والخطيب الفقيه هو الذي يقدر ذلك، ومن فقه خطبة الجمعة، التركيز على الأصول والثوابت والأركان، لأن الاهتمام بالأصول والثوابت من شأنه أن يجمع الأمة على ما ينبغي أن تجتمع عليه من محبة الله وطاعته والتآخي والتعاون، وأن يجعل المصلين يخرجون بفائدة علمية محققة.

التوجيه الصحيح

ويؤكد الشيخ حمدان بن محارب الوردي - إمام وخطيب جامع المويشير بسكاكا بمنطقة الجوف: من أعظم رسائل الدعوة في هذا الزمان، هو منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن دلائل مكانة الخطيب، وهو يعتلي هذا المنبر المبارك هو أن يجتمع إليه العدد الهائل من المصلين والمأمورون بالإنصات له والاستماع إلى خطبته.

وهذا من أعظم المحاسن في خطبة الجمعة، وحينما يجلس المستمع في خطبة الجمعة، يجب علينا كخطباء أن نقدر هذه العقلية التي أمرت بالاستماع والإنصات، وذلك من حيث التحدث عن مشاكل وهموم الحياة اليومية التي يعاصرونها ويواجهونها، ويزداد الأمر تعقيداً وصعوبة، حيث تفقد منابر التوجيه الصحيحة من وسائل الإعلام وغيرها.

بل إن وسائل الإعلام تزيد الطين بلة في جلب الهموم والمشاكل، وعدم التوجيه الصحيح لمتابعيها، فلم يبق إلا هذا المنبر العظيم المبارك، وفي نظري أن الأسلوب الذي يعتمد عليه الخطيب قبل عشرين سنة، لا يمكن أن يتناسب مع أفكار الناس، وتوجهاتهم في هذا الزمان، ومن أبرز الصفات التي ينبغي أن تتوفر في الخطيب هو الجمع بين العلم الشرعي المؤصل، وما يطرح في هذا الزمان من حلول لمشاكل الأسرة وتربية الأبناء، والتعامل مع الآخرين، وفتح أذهان الخطيب على الثقافات الأخرى التي ركزت على هذه الجوانب.

ويضيف الوردي أن كثيراً منا يحفظ النصوص في فضائل الأعمال والأخلاق، لكن هذه النصوص تفقد، وننسى العمل بها في أدنى موقف يمر بنا في حياتنا اليومية، كما أنه ينبغي على الخطيب أن يكون واقعياً وموضوعياً في طرح القضايا ومعالجتها، فحينما ينظر إلى قضية أو مشكلة تقع في مجتمع فإنه يقارن في زمن تعددت فيه وسائل الدعاية للفساد، وزمن سابق لا يوجد فيه ما يدعو إلى الفساد بل زمن الناس متوجهون فيه إلى كسب ما يسد رمقهم من الجوع.

فتعالج القضايا في هذا الزمان علاج موضوعي واقعي، لا غلو فيه ولا تفريط، إضافة إلى محاولة التلطف في العبارات والابتعاد عن صيغ التوجيه واللوم والعتاب، فيختار أفضل الأساليب والألفاظ والعبارات التي تناسب مقام الحاضرين ومستوياتهم، كما أنه ينبغي أن تتوفر في الخطيب: أن ينزل إلى الأذهان، وذلك بتحديد المشاكل التي يواجهها الناس حسب مفاهيم وحيثيات المشاكل وتعقيداتها.

موضحاً أنه في بعض الأحيان قد يتطرق الخطيب للمشاكل لكن المستمع لا يدرك ماذا يتحدث عنه الخطيب بالتحديد، فالنزول إلى أعماق المشاكل وتحديدها، وتوجيه المستمع إلى الحلول المناسبة لها، من صفات الخطيب الناجح.

فقه الأولويات

ويشير د. صالح بن محمد الونيان إمام وخطيب جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب ببريدة، إلى أنه يمكن أن يستفاد من منبر الجمعة في علاج مختلف مشكلات المجتمع إذا تحقق ما يلي:

1- معرفة رسالة المنبر من قبل الخطيب والمستمعين فإن الإيمان بهذه الرسالة يجعل الناس يطرحون همومهم ويجعل الخطيب يتفاعل في علاج المشكلات.

2- أن يقدم المنبر ما يحتاجه الناس فيعطيهم ما يحتاجون لا ما يريده الخطيب مع بعده عن حاجة الناس.

3- ولتحقيق ذلك لا بد أن تتوفر في الخطيب الصفات التالية:

أن يؤكد للخطيب مصداقيته بين جمهوره بأن يكون مثالاً يحتذى به ويكون على دراية وقناعة بما يطرحه وحاجة الناس إليه، وأن يتمتع بالعلم وسعة الاطلاع، وربط الموضوع بواقع الناس والبعد عن المثاليات، وأن يتمتع بالشفافية في الطرح، وأن يفرق بين ما هو ظاهرة وما هو نادرة فلا يغفل الظواهر ولا يتحدث عن النوادر، وكذلك تطبيق ما يدعو إليه في طرحه فموعظة الواعظ لن تقبل حتى يعيها قلبه أولاً، والإخلاص في القول والعمل، والحماس للفكرة والفراسة وقوة الاستنباط، وقوة الشخصية وحسن السمت وحسن المظهر، وأن يكون الخطيب ملماً بفقه الأولويات فيعالج القضايا التي لها مساس بحياة الناس كقضايا الدماء والأعراض وما يتعلق بأمن الناشئة فكرياً وحمايتهم أخلاقياً، وأن يكون له هدف في خطبته يريد الوصول إليه وبالتالي لا بد أن يذكر الناس بواجبهم عند طرح الموضوع بدلاً من أن تكون الخطبة عائمة غير واضحة الأهداف.

خير يوم طلعت فيه الشمس

ويبين د. مسعد بن مساعد الحسيني خطيب جامع القبلتين بالمدينة النبوية أن من الشعائر العظيمة في الإسلام ذات المضامين القيمة والأهداف السامية صلاة الجمعة وما اقترن بها من خطبة يظهر جلياً لكل ناظر عظيم شأنها وجليل قدرها وبالغ العناية بها وذلك من خلال النظر فيما أحيطت به من أحكام عظيمة وآداب سامية تضفي عليها المهابة والجلال وجواً عظيماً من الروحانية والجمال ومن ذلك:

1- اختيار الوقت المناسب لها وهو يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس هدانا الله له وأضل عنه الناس والناس لنا فيه تبع فلليهود السبت وللنصارى الأحد.

2- الترغيب العظيم في الاستعداد والتهيؤ لها بالغسل والطيب والتبكير ونحو ذلك ففي الحديث (من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوةٍ عمل سنةٍ أجر صيامها وقيامها).

3- التحذير الشديد من تركها والتهاون بها ففي الحديث (من ترك ثلاث جمعٍ تهاونا بها طبع الله على قلبه).

4- ما أحيطت به من أحكام تميزها عن غيرها في هيئتها وزمانها ومكانها وتعلق إقامتها بإذن الإمام.

5- العناية البالغة بشأن الخطبة التي هي من أعظم غاياتها وقد أحيطت بقداسة بالغة وعناية فائقة لعظيم أثرها وما ينبغي أن يحقق من خلالها حيث الحث البالغ على الإنصات لها وعدم التشاغل عنها بأي شيء مهما قل لتكون الآذان لها صاغية والقلوب لها واعية، فمن مس الحصى فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له كما ثبت في الحديث وكل هذا مما يعظم قدر الخطبة ومسؤولية الخطيب.

ويؤكد د. الحسيني أن خطبة الجمعة منبر عظيم من أعظم منابر الدعوة والإصلاح يتكرر كل أسبوع ليواكب قضايا المجتمع المتجددة فيعالجها ويصل التذكير بالتذكير ليبقى العباد على اتصال وثيق بربهم ودينهم.

إن لخطبة الجمعة شأنها العظيم وأثرها البالغ في التعليم والتوجيه للفرد والجماعة ومعالجة قضايا المجتمع، على تنوعها، معالجةً شرعيةً واقعيةً منضبطة بضوابط الشرع المطهر في منهجية قائمة على العلم الصحيح والوعظ المؤثر والقول البليغ.

فهي تحتاج إلى نية خالصة وعلم صحيح وعقل مستنير وحكمة بالغة في الطرح والمعالجة وملكة متميزة وأسلوب جذاب وعلاجها علاجاً مدعوماً بالعلم مزينا بالبيان مخاطبا للعقل والوجدان فيعلم من خلالها الجاهل ويذكر الناسي ويرد الناد ويسكن الثائر وتفند الشبه وترقق القلوب ويحبط كيد الشيطان، فتصحح العقائد وتهذب الآداب وتزكى النفوس.

فشأن الخطبة عظيم ودور الخطيب مؤثر وأدواء الأمة متكاثرة وعلى قدر استحضار عظم المسؤولية وثقل الأمانة يكون العطاء والبذل.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد