Al Jazirah NewsPaper Friday  11/07/2008 G Issue 13070
الجمعة 08 رجب 1429   العدد  13070
معالي مدير جامعة أم القرى الأستاذ الدكتور الوزان للرسالة (2-2):
إطلاق الحريات وترك الناس يفعلون ما يريدون لا يسوغ في الإسلام ولاعند العقلاء من غيرالمسلمين

حاوره - ماجد بن عبدالله الزعاقي

تناولنا في الأسبوع الفائت الجزء الأول من الحوار الشيق مع معالي الأستاذ الدكتور عدنان بن محمد الوزان مدير جامعة أم القرى ومؤلف (موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام وسماتها في المملكة العربية السعودية) حيث تطرقنا لمحاور عديدة شملت تقييم معاليه لتطبيقات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، وأبرز معالم ضمانات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية والتي تميزت بها عن الدول الأخرى، وبيان دور المؤسسات والجهات الشرعية في الحفاظ على حقوق الإنسان، ودور معاليه في بيان أبرز التساؤلات التي أثارتها الوفود الأوربية الزائرة للمملكة والدور المنوط بالإعلام السعودي في التعاطي مع هذه التساؤلات، كما تناول معاليه تقييم أحقية الهيئة في المطالبة بالمحافظة على حقوق الإنسان لموظفيها في حال ثبوت الدعوى الكيدية ضدهم.

وفي هذا الجزء نكمل ما بدأناه ونترك قارئنا مع الحوار..

حقيقة الارتباط

* من خلال استقرائكم لعدد من النصوص الشرعية والنظامية، كيف يرى معاليكم الارتباط بين شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين حقوق الإنسان؟

- الارتباط بين شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحقوق الإنسان وثيق الصلة، فتلك الشعيرة تحفظ الدين والأعراض وتحافظ على الصحة العامة والأمن العام وقد يظن كثير من الناس داخل المملكة أو من الذين يفدون إليها في زيارة أو عمل أن الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهاز مؤسساتي حكومي مبتدع في الدول الإسلامية ومنها المملكة العربية السعودية ونقول إنه ليس كذلك بل إنه جهاز ووسيلة في شريعة الإسلام والشرائع السابقة، إنه جهاز موجود لدى كل الأمم والشعوب تحت مسميات وأسماء مختلفة ومتعددة، له صلة بجهات حكومية مختلفة، ومهما اختلفت الأسماء أو الجهات التي ينتمي إليها جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فذاك لا يخرج عن المبدأ الحقوقي المتصل بالصحة العامة أو النظام العام، ولا ريب أن بعض النفوس البشرية للشر أقرب منها للخير، ولو ترك كل شخص وهواه يأتي من الأفعال والأقوال ما يريد دون حد لا يتعداه، وقيد لا يتجاوزه ولم يمنع من اعتداءاته على الغير، فلا يكون للخير راع ولا للمنكر رادع، ولا للشر زاجر، لعمت الفوضى وساءة الحال، واضطرب الأمر وشاع الضلال، واستشرى الفساد، وخربت البلاد وضاعت حقوق الناس والمجتمعات والأمم والشعوب، وأهدرت الصحة العامة وفسد النظام العام.

ولمنع هذا الفساد والحد من طغيانه، وتحقيقاً لمصلحة العباد شرعت الديانات وقامت النبوات وظهرت الرسالات آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر ليتحقق للناس الأمن والعدل والسلام والاستقرار والنظام والنجاة من العذاب، قال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}

ومن هذا نعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل النبيين والمرسلين، وطريق المرشدين الصادقين شريعة ضرورية للمجتمع الإنساني لمعرفة حدود الله وحقوقه ولحفظ حقوق الإنسان وأمنه، كما أمر تعالى عباده بأن يكون منهم جماعة تدعوا إلى الخير وظاهر الأمر الإيجاب، وقد وبخ الله جل وعلا علماء اليهود والنصارى وذمهم لتقاعسهم وتخاذلهم عن أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}، ولقد دلت الآية على أن تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمرتكب المنكر حيث جمع الله تعالى بين فاعل المنكر وتارك الإنكار في الذم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ما في القرآن آية أشد توبيخاً من هذه الآية ولا يكون الذم ولا توبيخ إلا على ترك أمر مشروع) ولهذا قال أحد مفكري الغرب: (إن الشريعة الإسلامية تشمل الناس جميعاً في أحكامها من أعظم ملك إلى أقل صعلوك، فهي شريعة أنزلت بأحكم وأعلم منوال شرعي لا يوجد مثله قط في العالم) ولأنها شريعة تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا فرق في ذلك بين حاكم ومحكوم لأنه لا يوجد فيها المفهوم العلماني ما لله لله وما لقيصر لقيصر كما يقول الباحث البريطاني برناد لويس (لم تنشأ أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه مشكلة الاختيار بين الله وقيصر، أعني ذلك الفتح الذي لم يقع المسيح عليه السلام به، وإن وقع في حبائله الكثير من المسيحين، ففي الإسلام لا يوجد (قيصر) بل يوجد الله وحده، وكان محمد صلى الله عليه وسلم رسوله الذي يعلم ويحكم باسمه، فكانت السلطة نفسها الصادرة عن المصدر نفسه تدعم الرسول صلى الله عليه وسلم في كلا المهمتين (مهمة الدين والدولة) وكان الوحي ذاته يقدم محتوى المهمة الأولى وأساس الثانية، وعندما توفي محمد صلى الله عليه وسلم كانت مهمته الروحية والنبوية - هي نشر رسالة الله - قد تمت وبقي عمله الديني ومعه العمل السياسي وكان قوام هذا العمل هو نشر شريعة الله بين البشر وذلك عن طريق توسيع عضوية وسلطة الجماعة التي تعترف بذلك القانون وتؤيده وكان لابد من وكيل أو خلف للرسول صلى الله عليه وسلم لقيادة هذه الجماعة وتجمع الكلمة العربية (الخليفة) بين المعنيين الحكم بما أنزل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ومن الأمثلة الحقيقية على حفظ الأمن العام والصحة من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا عى سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذي في أسفلها إذا سقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً) من هنا يتبين أنه لا يصلح إطلاق الحريات وترك الناس يفعلون ما يريدون باسم الحريات ولو أضرت بالآخرين، فذاك مما لا يسوغ ليس في الإسلام فحسب بل حتى عند العقلاء من غير المسلمين؛ لأن الحفاظ على الأمن والصحة العامة والنظام العام شرع إسلامي ومطلب إنساني تحفظ به كافة الحقوق، ولهذا أرسل الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لإقامة الحق ومقاومة الباطل وقمع الشر، وعن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) ففي هذا الحديث بيان مراتب جهاد المخالفين ودرجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن ذلك من علامات الإيمان وسبيلا لصيانة المجتمعات وحفظ النظام العام وعلى هذا علقت الليدي ايفين كوبولد الإنجليزية قائلة: (إن روحانية الإسلام قوة شديدة فهي أبداً تدفع المسلمين بعضهم إلى بعض وتجعل منهم قوة إنسانية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر مما لا يوجد مثله في العالم الحاضر).

واقع الأمر

* ما هو واقع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمفهومه العام في أنحاء العالم؟

- لعلي أطرح بعض التساؤلات التي تغني عن كثير من التفصيل لواقع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كثير من دول العالم، فأقول أليست ملاحقة السائقين المخمورين في كثير من دول العالم وعقابهم بغرامة مالية أو نحوها من أعمال الحسبة لحفظ الأمن العام والصحة العامة لسلامة الناس في الطرق؟ وهذا من حقوق الطريق التي أمر بها الإسلام، ثم أليست مصادرة الأغذية الفاسدة في المحلات التجارية من قبل إدارات البلديات هي من أعمال الحسبة؟ أليس منع الصور المبتذلة والمناظر المنافية للأخلاق كما هو موجود في بعض الدول هو نوع من أعمال الحسبة في المحافظة على الصحة العامة؟.

من خلال عمل رجال الحسبة إن الأخلاق ودواعي السلوك في كثير من الدول تمنع من أن يخرج الإنسان إلى الأماكن العامة مثل الأسواق والمطاعم وغيرها بملابس النوم أو بملابس السباحة؛ لأن في ذلك منافاة للأخلاق وأدب السلوك.

كما أن ملاحقة مغتصبي النساء والأطفال من قبل الشرطة هو نوع من تحقيق الأمن وحفظ النظام العام وصيانة الأعراض وهو ما تعمل به كثير من الدول، أليس في متابعة حاملي السلاح دون ترخيص رسمي وعقابهم هو من الأمر بالمعروف النهي عن المنكر ويقصد منه المحافظة على النظام العام والصحة العامة والأسئلة في ذلك الجانب كثيرة يمكن لأي باحث أن يطلع على وسائل الإعلام والاتصال وأخبار الجرائم ليقف على حقائق كثيرة تؤكد على ضرورة حفظ حقوق الإنسان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما هو مسماه في الإسلام (للحفاظ على الصحة العامة والنظام العام) وموظفيه الذين يسمون برجال الحسبة وأظن العقلاء من غير المسلمين بعد هذا البيان لابد أن يدركوا ماهية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي أمور موجودة في تلك الدول كل حسب اختصاصه، فوزارة التجارة مثلاً تراقب المواصفات والمقاييس لحماية المستهلك، ووزارة المالية والهيئات الرقابية والحسابية تحمي المال العام من النهب والاختلاس، والشرطة تحافظ على الأمن والسلامة، ووزارة الزراعة تحمي المنتجات الزراعية والبيئية وتراقب ما قد يفسد الصحة العامة، ورجال الجمارك يتابعون المخالفين لأنظمة الاستيراد والتصدير ومراقبة الممنوعات من المخدرات ونحوها، وشرطة الآداب تحمي النساء، والأطفال من اعتداءات المجرمين.

إذا فالمطوع كما يسميه سكان العالم موجود في كل مكان من العالم ولا خلاف.

ولقد قامت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على هدى عقيدة التوحيد وشريعة الإسلام ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولقد أمضى الملك عبدالعزيز رحمه الله ما يقارب ثلاثين عاماً يكافح لتوحيد البلاد ثم واصل كفاحه ما يقارب من ربع قرن لتوطيد الأمن فيها والنهوض بها في جميع مجالات الرقي والتقدم فوفقه الله لذلك وعندما فتح الملك عبد العزيز الرياض 1319هـ وجد العلماء فيها يقومون بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى فردي احتساباً لوجه الله تعالى وحين استقرت البلاد واتسع الحكم نسبيا كلف الملك عبد العزيز الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف رحمه الله بالقيام على ولاية الحسبة وأن يمارس أعمالها وينفذها دون تهاون ويباشر أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نطاق أوسع وكان الملك عبد العزيز لا يكاد يسمع عن قرية ليس فيها من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إلا وجه إلى القائم فيها كتابا يأمره بتعيين رجل من أهل الصلاح والتقوى لهذا الأمر.

* إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد