لا شك أن المبادئ التي أرساها الإسلام للاهتمام بالبيئة الكثير من المعجزات والضوابط التي تعد نبراسا مضيئا للبشر، ولقد بينت الأدلة أن شريعة الإسلام قد أولت بيئة الأرض الاهتمام الشامل والبالغ بما لم تستطع أي من التشريعات الوضعية أن توليه لها حتى الوقت الحاضر، ولعل من يتفكر في خلق الله بعدئذ يهتدي إلى أن المحافظة على البيئة وما فيها من حياة فطرية لهي منفعة للبشر، وأنها ضرورية لاستمرار الحياة، ومن أدرك ذلك ليثمن غاليا هذه القيمة
ويعمل جاهدا مع الآخرين على دفع عجلات المحافظة عليها قبل فوات الأوان.
لقد ذكرت من قبل أن معظم شبه الجزيرة العربية، بها غطاء نباتي من صفاته أنه غير مستمر أي مبعثر هنا وهناك، ذو تغطية وكثافة وإنتاجية منخفضة، يعكس الظروف المناخية القاسية، والاستغلال المكثف من البشر، خاصة بعد إعلان سياسة جعل المراعي مفتوحة للجميع فيما مضى، حيث بدأ الاستغلال الجائر وغير المنظم لموارد البادية (رعي جائر، احتطاب.. إلخ).
وبدأت تركيبة المراعي النباتية في التغير فتناقصت أنواع النبات الرعوية على مساحات واسعة وبالمقابل زادت النباتات الشوكية والسامة، والذي يعتبر من مؤشرات تدهور المراعي في بلادنا.
وقادنا ذلك للتساؤل حول كيفية إمكانية إيقاف الرعي الجائر، واقتلاع النباتات الرعوية من جذورها، وهل نفرض غرامات، أم نجد طريقة لتحسين قدرة مراعينا، بأن نجعل المواطنين يكثرونها بدلا من قلعها.
ويمكن التغيير للأحسن في بلادنا، إذا وجد الدافع والحس الوطني الخلاق للعمل على تغيير المنظر الكئيب لبلادنا، والعمل على إيجاد طرق للمحافظة على الغطاء النباتي الرعوي وإكثاره، ليس فقط في المناطق المحمية، وإنما في كل ربوع البلاد. وهنا قد يسأل أحدكم كيف نحسن من قدرة مراعينا، ونوقف تدهورها، ونكثر من النباتات الرعوية في بلادنا؟ وللإجابة على ذلك، تذكرون أنني طالبت في المقالة السابقة بعمل مشروع برنامج وطني لشراء بذور النباتات الصحراوية الرعوية التي تنمو في بلادنا، التي لها القدرة على تحمل المناخ الصحراوي، بِحَرِّه وبَرْدِه، وإعادة زراعتها قبل مواسم الأمطار، مثل الرمث والغضا والأرطى والعاذر والسبط والضمران وخضر والعرفج والنصي والقتاد والشيح والقيصوم والرغل والروثة والطرفا والقطف والمصع وكذلك العلقا والحلفا والحماط ومن النباتات الحولية التربة والربلة والاقحوان. ومساهمة الشركات الزراعية وأصحاب المشاتل بعمل شتلات من تلك البذور، وإعادة زراعتها.
واليوم نتحدث عن طريقة أخرى استعملت قديما من قبل في بلادنا بترك تلك النباتات الرعوية تكمل دورتها الزراعية لإنتاج البذور في النهاية. والكل يتساءل كيف يمكن أن نترك النباتات تكمل دورتها الزراعية لتنتج بذورا تسقط على الأرض، لتنمو من جديد عند تساقط الأمطار.
وأنا أقول لنحيي نظام الحمى السابق وتنظيمه من قبل الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية في جميع مناطق المملكة على مدار العام، فكما تعرفون أن الحماية من الرعي هي ضرورة تمليها ظروف التدهور المستمر للمواطن الطبيعية للحياة الفطرية وضرورة إعطاء النباتات فرصة النمو والتكاثر بعيدا عن خطر الرعي الجائر. وللعلم فقد حمى النبي -صلى الله عليه وسلم- النقيع، بقرب المدينة المنورة لخيل المهاجرين، وحمى عمر السرف بقرب النعيم، والربذة لإبل الصدقة ودواب الفقراء. وقد ذكر أن عمر بن عبدالعزيز لا يؤتى بأحد قطع عودا واحدا من الحمى إلا ضربه ضربا موجعا.
أما نظام الحمى التقليدي فيعني حمى منطقة من الرعي وقطع الأشجار لفترة من الزمن، ولا يجوز الرعي بها إلا تحت ظروف محددة كاشتداد الجفاف مثل حمى بني سار الذي يمنع فيها الرعي بتاتا ويسمح فقط بجمع الحشائش حسب نظام معين. وهناك أحمية يسمح بالرعي فيها في مواسم خاصة مثل حمى الأزاهرة وحميد حول بلجرشي، وهناك حمى مزدوجة المنفعة موجهة لمنفعة خلايا نحل العسل ثم لترعاها الماشية بعد ذلك مثل حمى الجوف والمثاهنة بجوار الطائف. وكانت كافية لأكثر من 2000 خلية هبطت لحوالي 200 عندما أبيحت هذه الأحمية.
كما أن هناك أحمية مخصصة لخيول وجمال الجيش والشرطة سابقا كحمى حايل وسجى وسيسد والخرمة، وقد أصبحت جرداء بعد أن أبيحت للرعي سنة 1375هـ. وكان من الأفضل الإبقاء على حمايتها بعد أن يوضع نظام للرعي فيها. كما كان هناك أحمية تخصص لقبيلة أو لقرية أو أكثر.
كما كان هناك أحمية للأشجار مثل العرعر مثل حمى بني سعد ببلاد بني مالك، وحمى وادي حريملاء لأشجار الطلح. ولولا (الله ثم) وجود بعض الأحمية للأشجار لقضي على كافة الأشجار الموجودة في المملكة.
ولذلك إذا اتضح لولاة الأمر في بلادنا أن في حمى الشجر والعشب والكلأ لمدة قصيرة، ثم تنظيم رعيه في حدود تعليمات ونظم محددة، وثبت أن في ذلك نفع ومصلحة عامة للجميع، فإنه لا شك يصبح أمرا يقبله الشرع ولا يمنعه طالما أن فيه خيرا لجميع المواطنين، نظرا للفوائد العامة التي تنجم من إعادة التوازن البيئي للإنسان وغيره من خلق الله.
لذلك يسمح بالرعي طوال العام في جميع مناطق الملكة، ما عدا الفترة التي تلي سقوط الأمطار، حيث يمنع الرعي لفترة محددة لتتمكن النباتات في مناطق المملكة المختلفة من إكمال دورتها الزراعية بإنتاج البذور، التي بدورها تتساقط على التربة وستقوم الرياح بنقلها إلى المراعي المجاورة، لتنمو من جديد، وهذا سيؤدي بحول الله إلى تحسن المراعي المجاورة، ثم يسمح بالرعي فيها بعد ذلك. وتأكدوا أنه في حال استعادت النباتات الرعوية حيويتها في جميع المناطق، ستمثل مصدرا لا ينضب لبذور النباتات الرعوية المستساغة من قبل كل الحيوانات الرعوية. إن هذه الفكرة ستحسن من قدرة مراعينا، وستعيد للمملكة مراعيها، وبالتالي سنخفض كميات ما نستورده من الشعير الذي يبلغ 40% من إنتاج أوكرانيا. كما سيقلل من اعتمادنا على بعض الدول لزراعة الأعلاف مثل السودان، هذا بجانب تقليل استيراد مكونات الأعلاف المركبة مثل دبس السكر وفول الصويا ودريس البرسيم وغيرها، وبذلك ستوفر الدولة البلايين والبلايين، للسنوات المقبلة.
إن التخطيط المبكر لتحسين قدرة مراعينا وتطويرها هو ما نحتاجه، وإلا سوف تستنزف خزينة الدولة للسنوات الطويلة المقبلة ما لم نستشعر الخطر، جربوا سنة واحدة، أصدروا أوامر تطلبون فيها من كل مربٍ للماشية إنشاء حظائر لماشيته، بالقرب من المناطق المحمية في الوقت الحالي، وعند سقوط الأمطار يسمح بالرعي فقط في أحد أنواع المناطق المحمية حاليا وهي محميات الموارد المستغلة ويمنع الرعي في المناطق غير المحمية، حيث يتوقف الرعي فيها، من وقت نمو النباتات الرعوية وإكمال دورتها الزراعية، حتى سقوط البذور على الأرض. ثم يسمح الرعي بها، ولعل الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها تكثر من محميات الموارد المستغلة التي تهدف إلى المحافظة على الأحياء الفطرية مع تنظيم استغلال عمليات الرعي والاحتطاب فيها.
للتواصل مع الكاتب: إما: ص.ب: 90199
الرمزي البريدي: 11613 الرياض
أو Abdulmalikalkhayal@hotmail.com