كان - بن نيمو - ( د ب أ)
من أشهر القصص التي تروى عن كانوتي الأكبر ملك إنجلترا والدانمارك والنرويج مطلع القرن الـ11 انه أمر بوقف المد والجزر. كان الملك يرمي من وراء ذلك إلى إثبات أن هناك بعض الأمور التي لا يستطيع حتى الزعماء متعددي القوميات السيطرة عليها.
بيد أنه بعد مرور 900 عام يبدو الاتحاد الأوروبي وكأنه يتحدى ذاك الدرس القديم حيث تعهد وزراء داخلية الكتلة التي تضم 27 بلدا لاثنين بالسيطرة على موجة المد البشري التي تتدفق على القارة.
وقال وزير الداخلية الألماني فولفجانج شويبله خلال محادثات غير رسمية مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي عقدت في قاعة تشرف على أمواج البحر المتوسط في منتجع كان الفرنسي (إننا لا نحول أوروبا إلى حصن.. لا بل نوجه موجات الهجرة في العالم). وتمحورت المحادثات حول (معاهدة للهجرة واللجوء) اقترحتها فرنسا تؤسس لنهج مشترك للاتحاد الأوروبي في التعامل مع القضيتين. وبحسب مسودات مبكرة للنص فإن أكثر من مليوني مهاجر شرعي وغير شرعي يدخلون أوروبا كل عام. وتدعو المعاهدة الدول الأعضاء إلى (تنظيم هجرة شرعية ومكافحة الهجرة غير المنظمة.. تعزيز كفاءة السيطرة على الحدود وخلق أوروبا للجوء وتأسيس مشاركة كونية مع دول المنشأ ودول العبور).
وبينما يمكن القول إن المعاهدة لا تحمل مقترحات جديدة فإن وضع هذه المقترحات في حزمة واحدة لا يستهدف ما هو أقل من السيطرة على كل الحلقات في سلسلة الهجرة. وفي الوقت الذي يقول فيه دبلوماسيون إن المعاهدة ستتلقى على الأرجح الضوء الأخضر من قادة الاتحاد الأوروبي خلال قمتهم المقررة في تشرين أول - أكتوبر المقبل فانه من غير الواضح ما إذا كانوا سيتمكنوا من وضع فكرتهم موضع التنفيذ. فمن المحتم عليهم أولا أن يروجوا للفكرة بين البلدان المصدرة للمهاجرين وتلك التي يمرون عبرها. وتلك الموافقة ليست مؤكدة بحال من الأحوال. ففي حزيران - يونيو الماضي وصف زعماء من دول أمريكا الجنوبية اتفاقية للاتحاد الأوروبي تنسق القواعد الخاصة بإعادة المهاجرين غير الشرعيين بأنها (مشينة) و(تمييزية) إلى حد دفع دبلوماسيين بارزين للتحذير من أنه قد يكون من الصعب إقناع شركاء دوليين بأن معاهدة الاتحاد الأوروبي الجديدة المزمعة التي ذهبت لآفاق بعيدة في موضوع الهجرة تتسم بالإنصاف.
كما أن قادة الاتحاد الأوروبي سيجدون انه من الصعوبة بمكان تسويق أفكار المعاهدة لدى مواطني العالم الثالث الذين يجازف الآلاف منهم بحياته كل عام في محاولة يائسة للوصول إلى الشاطئ الأوروبي. وبالفعل حدث في اليوم الذي اجتمع فيه وزراء الاتحاد الأوروبي في كان أن أعلن مسؤولون إسبان أن ثمة مخاوف من أن 14 مهاجرا من إفريقيا قد غرقوا أثناء محاولة فاشلة للعبور إلى أوروبا في قارب تقاذفته الأمواج. وتقول المعاهدة إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يحسن من الأوضاع الداخلية في البلدان الأصلية للمهاجرين وان ييسر عليهم إرسال الأموال إلى وطنهم الأصلي.
وبينما تبدو مقترحات المعاهدة معقولة فإنها لم تذكر أن الاتحاد الأوروبي تعهد بالفعل بتقديم نحو 23 مليار يورو ( 35.8 مليار دولار) في صورة مساعدات تنمية لإفريقيا حتى عام 2013 بيد أن أعداد المهاجرين استمرت في الزيادة تاركة السؤال مفتوحا بشأن كم الأموال المطلوبة لإحداث فارق ملموس في أنماط الهجرة. وبينما لن تجعل موافقة الاتحاد الأوروبي في تشرين أول - أكتوبر المعاهدة ملزمة قانونا فإنها ستكون بمثابة التزام سياسي قوي من الدول الأعضاء بالسيطرة على موجات الهجرة المتدفقة. ومن المؤكد أن اجتماع الوزراء أمام شواطئ كان الساحرة حمل هذا الالتزام. لكن مع عدم إظهار موجات المد دلائل على الانحسار فإن الأمر قد ينتهي بإثبات استمرار صلاحية الدرس الذي برهن عليه كونتي على أحد شواطئ شمال أوروبا قبل 900 عام في الجنوب - وان هناك أمواجا لا تستطيع حتى سياسات الاتحاد الأوروبي ترويضها.