Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/07/2008 G Issue 13069
الخميس 07 رجب 1429   العدد  13069
ورحلت والدتي الصائمة الذاكرة
عبد الحميد بن عبد الله الشثري

الموت الحقيقة التي يُؤمن بها الجميع وينتظرها الجميع ويخافها الجميع.

الحقيقة التي لا نعرف ساعتها ومكانها وحالنا عند قدومها.

يوم تُبلى السرائر.

نسأل الله مرداً إليه غير مُخزٍ ولا فاضح.

هو الموت ما منه ملاذٌ ومهربُ

متى حُط ذا عن نعشه ذاك يركبُ

نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها

وعلَّ الردى فيما نرجيه أقرب

ما الذي سيخطه قلمي حين أكتب عن الموت وموت من؟

وماذا سأكتب عندما أريد رثاء الروح المؤمنة القانتة الصائمة.. والدتي - رحمها الله- سارة بنت محمد بن عبد الله الشثري.

نعم هذا ما شهد به كل من عرفها قريباً أو بعيداً.. ونحن شهداء الله على خلقه ولا نزكي على الله أحداً.

في يومٍ موعودٍ وساعةٍ محددةٍ ومكانٍ محددٍ جاءت سكرة الموت بالحق لِتقبض روح الوالدة -رحمها الله- وذلك يوم الأربعاء الموافق 30-5- 1429هـ وفي تمام الساعة الثانية وعشرين دقيقة ظهراً بعد معاناة طويلة مع المرض صابرة محتسبة.

فاضت روحها بين أبنائها وأحبابها وأقاربها بين تالٍ للقرآن وذاكِرٍ وداعٍ ومُؤمِنٍ والحمد لله.

فاضت روحها في وقت كنا أحوج ما نكون إلى ذاك الباب.. باب الجنة حيث أُغلِق الباب الأول برحيل الوالد قبلها بستةِ أشهر.

رحلت الوالدة -رحمها الله- قبل أن تجف دموعنا حزناً على فراق والدنا - رحمهما الله وجمعنا بهما- في أعلى منازل الجنة.. ولكن نقول ثقة في الله وحُسن ظنٍ به: (ذهب الظمأ يا والدتي وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله).

إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

نعم رحلت من بكاها الصغار قبل الكبار.

إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها.

لقد كانت تدعو -رحمها الله- عندما شعرت بتمكُّن المرض بالدعاء المأثور: (اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي).

لقد أحبت والدتي -رحمها الله- الخير وأهل الخير وفعل الخير.. فقد نشأت بفضل الله في بيئة صالحة ومن أبوين صالحين -رحمهم الله أجمعين-.. لا يخلو مجلسها من سماع القرآن والتسبيح والتهليل والدعاء خصوصاً في ساعات الليل المتأخرة.

لم تكن -رحمها الله- ترضى أبداً بغيبة أحدٍ مهما يكن خطأه.. ولا يتجرأ أحدنا على الإساءة إلى أحد في مجلسها.

كانت -رحمها الله- شغوفة بالصيام فكانت كثيراً ما تصوم الاثنين والخميس رغم طول النهار والتعب الذي تعانيه بسبب مرضها إلا أنها كانت تصر على ذلك.. وكانت ترفع يديها قبل أذان المغرب مستقبلة القبلة تدعو الله بإلحاح وإخباتٍ وروحانية لا يعادلها شيء.

لقد وهب الله الوالدة -رحمها الله- قلباً كبيراً ورحيماً فكانت تُحب الجميع صغاراً وكباراً حتى إن كل واحدٍ منا كان يظن أنه أحب الناس إليها وذلك من لطفها ومحبتها وحفاوتها بالجميع صغاراً وكباراً.

لقد أكرم الله الوالدة -رحمها الله- بالصبر والاحتساب ورغم معاناتها مع الأمراض إلا أنها كانت كثيراً ما تردد: (الحمد لله على ما جاء من الله).

لقد تميزت الوالدة -رحمها الله- بحب الفقراء والمساكين.. وقد أجرى الله على يديها خيراً كثيراً والحمد لله وكانت في أحيانٍ كثيرةٍ تتمثَّل قوله عليه الصلاة والسلام: (الدال على الخير كفاعله) فكانت تدعونا دائماً لفعل الخير وكانت قدوة لنا في ذلك وقد كنا نقرأ عليها أسماء بعض الأسر المستحقة للصدقة أول كل رمضان استعداداً لتوزيعها.. أسأل الله تعالى أن يكتب لها ولمن كان سبباً في ذلك الأجر والمثوبة.

لقد تميزت -رحمها الله- بصلة الرحم ومحبة الجيران فقد كانت دائمة الصلة بأقاربها كثيرة السؤال عنهم كثيرة الدعاء لجيرانها وكانت تحثنا دائماً على ذلك وتهددنا بالهجر والقطيعة إن علمت بتقصيرنا.

لقد كانت -رحمها الله- تُحسن الظن بالخالق والخلق فكانت لا تتوقع سوءاً من أحد ولا تنتظر إلا خيراً.. ولعل هذا من أسباب قبولها عند كل من يعرفها - رحمها الله رحمة واسعة وأجزل لها المثوبة-.

أما ذكر الله فكان لسانها لا يفتر عن ذكر الله خصوصاً في خلواتها.. وقد رأيتها بعيني تسبّح الله وتكرر ذلك قبل دخولها في الغيبوبة بلحظات حتى توفيت في اليوم الثاني.. ولعل ذلك من علامات حسن الخاتمة.

لقد رحلت بجسدها الطاهر.. لكن بقيت في قلوبنا.. دعاؤنا وعزاؤنا فيها أعمالها الصالحة وذكرها الحسن والجمع الغفير الذي صلى عليها وشارك في دفنها.

أسأل الله أن يفسح لها في قبرها مدَّ بصرها.. وأسأله تعالى أن يرفع درجتها.. وأن يجمعنا بها ومن نحب في مستقر رحمته ودار كرامته.. وأن يجعل ما أصابها نوراً في قبرها ورفعة في درجاتها.. إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد