الحب جوهر الإنسان ورمز صفائه، ودليل صدق مشاعره تجاه الأهل والمجتمع، وكل من حوله، فهو يعطي الحياة طعمها ورونقها وجمالها. وهو خير ما يقدمه الإنسان لغيره دون عناء ودون تكاليف مالية .. ودون تكلف أيضاً .. فحينما يعطي الإنسان الحب لغيره، فإنّه يعطي شيئاً ثميناً ومفيداً؛ إذ لا يمكن للمرء أن يشتري هذه القيمة الوجدانية الرفيعة .. فكثير من الناس غاية ما يرجونه من غيرهم المحبة والكلمة الطيبة، والمساندة الوجدانية والدعم المعنوي والقلب الرقيق والفؤاد الليّن.
الحب الصادق ينبع من شخص سليم يفهم معنى الحياة ويدرك قيمتها، ويقدِّر حاجة الآخرين للحب والحنان.
ينظر المحب بتفاؤل لكل شيء في الحياة .. ينظر إليها نظرة جمال سواء لزملاء العمل أو الدراسة أو في الحياة بشكل عام .. فهذا الحب، وهذه النظرة الفرايحية تجاه الحياة، تشف عن قلب يحمل الحب الندي الهنيئ، قلب يحتضن الجمال، ويشف عن نفس صافية نقية خالية من الأحقاد والإحن والكراهية والازدراء والسوء.
والذي نفسه بغير جمال .. لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً .. السلوك والتصرف الدال على الحب يعكس معدن الإنسان وجوهره .. ويجعله مؤثراً في غيره، ومؤثراً في الحياة؛ إذ يضفي عليها ألقاً، ونكهة ولوناً وطعماً .. فالناس يتأثرون بجوهر الشيء، وليس بمظهره الخارجي، فمهما لبس الإنسان من جميل الثياب، واقتنى من زينة الدنيا من السيارات والدور والقصور، فلن يستطيع بذلك أن يغير قناعة أو يرسي سلوكاً أو يرسخ مفهوماً .. أو يكرس منهجاً أو قيمة .. لكنه بالحب يفعل ذلك وأكثر .. بل من يحاول أن يبحث لنفسه عن مكانة في سجلات الأيام وصفحات الحياة، هو يحمل مؤهلات المظهر الجميل واللسان المزيف للمشاعر .. فإنّه - بلا شك - سيبور بلا غنيمة من غنائم الحياة ذات القيمة، ويفشل بجدارة في إلحاق اسمه بسجلات المؤثرين في الحياة، ويكتشف أنّه يحمل سلاحاً لا يصلح للمعركة وسينهزم لا محالة، ويجد نفسه في خاتمة المطاف إنساناً مزيفاً ناقصاً متفرجاً في الحياة، لا مؤثراً فيها .. سلبياً تجاه أحداثها ومجرياتها.
الحب انتصار على كل المحبطات والمثبطات، وفرح بجمال الحياة، وغلبة على الألم والمشاكل وعقبات الحياة وتحدياتها.
الحياة القائمة على الحب تنساب لحظاتها هنيئة سعيدة خالية من النكد والكدر والمشاحنات والبغضاء والأحقاد والغل، زاخرة بمعاني الود والرحمة والثقة والطمأنينة والوئام وحب الخير والتعاون، محفوفة بمعاني الصدق والإخلاص والتفاؤل والأمل والرجاء.
فالحب من أقوى وسائل التغيير في الحياة، وغرس الحب وإشاعته بين الناس، يؤسس لحياة مستقرة آمنة، ونفوس جميلة صافية لا تحمل إلاّ كل جميل يسعد الآخرين ويفرحهم .. هذه النفحات الوجدانية الإيجابية تفوح في بهو الحياة فتعطره، وتنعشه بالأمل المشرق، والفأل الحسن .. تغير نظرة النفوس إلى الحياة، وتجعلها نظرة صادقة وإيجابية .. تعزِّز المحبة بين الناس، وهذا يكفل التعاضد والتعاون، والتكاتف ضد الشر، وضد كل ما هو سلبي في حياة الإنسان.
بالحب تحل المشكلات، مهما استعصت على الترغيب والترهيب .. وبالحب يجلب الاستقرار والأمن والسكينة مهما فشلت في ذلك وسائل القوة والضغط والقسوة .. به يجتمع الناس على كلمة سواء، وبه نتوّحد على العدو ويسهل القضاء عليه، حتى لو كان هذا العدو مرضاً أو آفة!!
وبالحب يستميل المعلم تلميذه، فيفهم منه الدرس وينجح ويتفوّق، وبه يداوي الطبيب مريضه فيشفى من المرض، وبه يكسب المدير مرؤوسيه فيخلصون في العمل وتنطلق سفينته في عباب الحياة، ترفرف على صواريها رايات النجاح والتميُّز والتقدم والازدهار .. بالحب يلتقي المختلفون في الآراء فينصاع كلاهم إلى الحق، ويركب الجميع مركب النجاة من سوء الخلاف والاختلاف.
به تصان الحياة الزوجية، وتسمو وترتفع عن المشاكل والخلافات، ويربى الأبناء على القيم الإيجابية، ويتواصل الجيران، ويتواصل الأهل والأقارب، وبالحب يقوم المجتمع على الركائز الأساسية المتينة التي تجنبه التصدع والانهيار وتقويه في وجه العواصف والأنواء.
وهكذا يكون فعل الحب في الحياة كفعل السحر يغيّر جوانبها، ويؤسس دعائمها، ويعزِّز قوائمها، ويبدِّد مهدراتها ومخاطرها .. فعيشوا بالحب للآخرين تجدون الحياة تقترب إليكم بالحب مبتسمة، تجدون بصماتكم ناصعة عند كل منجز وفي كل منحنى للخير.