Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/07/2008 G Issue 13069
الخميس 07 رجب 1429   العدد  13069
في ضيافة مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم
د. إبراهيم بن عبدالله المطلق

قبيل اختبارات الفصل الدراسي الثاني لهذا العام دُعيت لحضور حفل تخريج وتوديع دفعة في إحدى مدارس تحفيظ القرآن الكريم الابتدائية للمرة الثانية، وحضرت مبتهجاً لأنني أفخر بوجود مدارس رسمية تشرف عليها الدولة وتعنى بتحفيظ كتاب الله تعالى.

وقبل الحفل شاركت بالإشادة بجهد المدرسة في سجل الزيارات، وكثيراً ما أشيد بهذا الجهد لأنه يترجم وينبئ بعناية ولاة الأمر - وفقهم الله وحفظهم - بكتاب الله تعالى وحرصهم الشديد على تخريج أجيال حفظة لكتابه الكريم ودعمهم حسياً ومعنوياً ومادياً بصورة غير محدودة لكل من يعنى بتحفيظ كتاب الله تعالى.

لفت انتباهي وانتباه البعض حين بدأ الحفل بأناشيد إسلامية على خلاف مناسباتنا التي تبدأ عادة بآي من كتاب الله تعالى، ولفت انتباهي كذلك استمرار هذه الأناشيد حتى نهاية الحفل قرابة الثانية عشرة ظهراً ما بين التسجيل الصوتي والأناشيد المباشرة على المسرح بصوت عدد من الناشئة أصلح الله قلوبهم، وتخلل ذلك كلمات بسيطة لمدير المدرسة ورئيس مجلس إدارتها؛ حتى تساءلت في نفسي: هل نحن في مدرسة لتحفيظ للقرآن الكريم أم في مدرسة لتحفيظ الأناشيد الإسلامية؟!!.

في تصوري أن تلقين الناشئة للأناشيد الإسلامية في هذه السن حتى وإن لم تكن أناشيد حماسية (جهادية) غير موفق وغير صحيح؛ لأنه يعني اللبنة الأولى في تحبيب الطفل للأناشيد بصفة عامة وتدريبه عليها وتربيته على سماعها والتأثر بها، وفي مراحل دراسية أخرى متقدمة (المتوسطة والثانوية) ربما يتم تلقين البعض منهم بعض الأناشيد المحظورة.

قررت هذه المرة واستجابة لعدد من إخواني الذين نصحوني في بعض الردود الصحفية على بعض مقالاتي بضرورة تقديم النصيحة الفردية لصاحب الخطأ مباشرة؛ فقابلت مدير المدرسة من الغد وأنا أعرفه وهو يعرفني جيداً فشكرته وقلت له برفق: لو قللتم من الأناشيد قليلاً؛ لأنها استولت على غالب وقت وفقرات الحفل، فتلون وجهه وظهر فيه الغضب وقال لي بالحرف الواحد: يا أخي كلها أناشيد في القرآن. ونفض يديه وقال (رح اكتب عنا مقالاً. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه). قلت آمين، ثم قلت: أنا كلمتك مباشرة ولم يخطر ببالي كتابة مقال. وتركته وانصرفت، وقلت في نفسي بعد ذلك أبشر فسوف أكتب مقالاً بإذن الله تعالى.

تساؤلي هنا: ما الغاية المنشودة وفي مثل هذه السن من تدريب الصغار على الأناشيد الإسلامية في بعض المدارس للتحفيظ حتى أنني سألت أحد طلاب إحدى المدارس الصغار عن بعض الأناشيد فقال لي كلها أحفظها وبدأ ينشد لي حتى قلت له حسبك.

تساؤل آخر: هل هذه المدارس رسالتها تحفيظ كتاب الله تعالى للناشئة أم أنها تحمل رسائل أخرى غير معلنة كتدريب الناشئة على الأناشيد الإسلامية؟ وتساؤل ثالث: هل وزارة التربية والتعليم على علم بمثل هذه التجاوزات؟ وهل سبق التعميم على هذه المدارس بمنعها؟ وهل استجاب المعنيون أم لا؟



وهنا - والشيء بالشيء يذكر - أتذكر أنني دعيت قبل قرابة السنتين لحضور حفل اختتام حلقات لتحفيظ القرآن الكريم على شرف أحد أعضاء هيئة كبار العلماء فاستجبت وذهبت ملبياً الدعوة بطيبة قلب وسلامة سريرة فبدأ الحفل بكلمة لسماحة الشيخ - وفقه الله - ثم إجابة عن أسئلة الحضور، وكان ضمن الأسئلة تعريض واضح؛ حيث تضمن السؤال رأي سماحته فيمن يتهم حلقات التحفيظ بأنها تفرخ الإرهاب من خلال برامجها للنزهة ورحلاتها واستراحاتها؟!.

كما تم عرض مشاهد للحفظ عبر جهاز عرض الصور فلفت انتباهي أيضا وفي تعريض آخر تسليط الكاميرا على مصحف مفتوح على سورة المنافقين حتى أنك تقرأ السورة كاملة من خلال التصوير بوضوح، وسورة المنافقين فقط دون بقية السور غيرها؟ وهل هو من باب المصادفة؟!! وهل نحن منافقون حين نحذر من استغلال كتاب الله تعالى في مسائل فكرية وخطيرة؟!!.

ثم بدأ الحفل وقد غلب على فقراته الأناشيد الإسلامية بشكل ممل ولافت للنظر حتى أن المشرف العام على الحلقات شرفياً، وكان يقعد بجواري، التفت إليّ وقال: ما علاقة هذه الأناشيد بالحفل؟!! فأجبته ما المسؤول بأعلم من السائل.

حتى أنني نظرت إليه وإذا به قد أزعجه هذا الشيء حتى بدا ذلك في وجهه.

ثم أليس من الأمانة التربوية أن نربي أبناءنا على الثقة بفتاوى كبار علمائنا، فإذا كانت فتاوى بعض من أعضاء هيئة كبار العلماء في هذا البلد الكريم كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين - رحمهما الله - والشيخ صالح الفوزان والشيخ عبدالعزيز الراجحي - حفظهما الله - لا تجيز الأناشيد الإسلامية وتحذر منها، فما المبرر في تدريب الناشئة على ما يخالف مثل هذه الفتاوى؟

أكرر هنا رؤيتي التي سبق أن أشرت إليها في مقال سابق نُشر في إحدى الصحف المحلية بضرورة دمج جميع مدارس التحفيظ الرسمية تحت مسمى معاهد تحفيظ القرآن الكريم، وتشمل هذه المعاهد جميع مراحل التحفيظ (ابتدائية ومتوسطة وثانوية)، كما أقترح ضرورة إلحاقها بمؤسسة تعليمية عليا كجامعة الإمام أو الجامعة الإسلامية مثلاً؛ ليتولى الإشراف المباشر عليها كلية القرآن الكريم بإحدى الجامعتين التي هي إحدى كليات الجامعة الإسلامية.

ويجب أن تنشأ بجامعة الإمام لهذا الغرض بدلاً من قسم القرآن. وأقترح إدخال جميع المواد العلمية في تلكم المعاهد أسوة بالمعاهد العلمية؛ لتسهيل وتيسير قبول طلابها بجميع جامعات وكليات المملكة دون استثناء؛ حلاً لمعاناتهم في القبول حالياً أو إلحاق هذه المدارس بالمعاهد العلمية لتكون أحد أقسامها الدراسية.

وأؤكد في الختام أنني لست ضد تحفيظ القرآن الكريم بمدارسه وحلقاته، بل والله إنني من محبي هذه المدارس والحلقات ومؤيديها وداعميها حسياً ومعنوياً ومادياً؛ فبعض من أبنائي وبناتي من منسوبي تلكم المدارس والحلقات، وقد أتم بعضهم بحمد الله حفظ القرآن كاملاً، ولكنني ضد استغلال هذه المدارس وتلكم الحلقات فيما سوى تحفيظ القرآن الكريم.

كما أؤكد أن هذا النقد لا يعني أن جميع مدارس التحفيظ وحلقاته لديها هذا الخلل، ولا يعني اتهام الجميع، بل أؤكد أنه موجود في بعض المدارس والحلقات بحسب القائمين والمشرفين عليها.

والله من وراء القصد.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد