زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. أسئلتكم واقتراحاتكم..
نمط التفكير السلبي
* سعادة الدكتور محمد اليوسف - بعد التحية
أنا فتاة أبلغ من العمر 24 سنة تخرّجت من الجامعة قبل سنة وأعيش حياة مستقرة والحمد لله لكن مشكلتي هي أنني دائمة القلق والتفكير في المستقبل بطريقة سيئة، حتى أنها تأتيني أفكار أحياناً كثيرة أنني لن أتوفق في المستقبل رغم أنني متدينة وكثيرة التقرّب من الله والدعاء. مشكلتي التي أرسلت لك الآن من أجلها هي أنه جاء رجل للزواج بي من أصل طيّب ويعمل بوظيفة جيدة وحالته المادية ميسورة وتمت بيننا الملكة والحمد لله لكن بعدها لم يتم بيننا أي اتصال من أي نوع، لامكالمات ولارسائل رغم أننا عقدنا على بعض رسمياً ورغم أنني ألاحظ جميع صديقاتي أثناء الملكة وقبل الزواج يتواصلن مع أزواجهن أما أنا فتملّك الرجل واختفى. أنا قلقة ومتوترة جداً وبدأت أحس برفض للزواج وعدم رغبة في إتمامه وإحساس بأن هذا الرجل ربما لا يناسبني. وعندما أتكلم مع أحد من أهلي عن هذا الموضوع يواجهونني بالاستهزاء وأنني سخيفة وأكثر كلمة أسمعها منهم (ما عندك سالفة). أقسم بالله أنني متعبة وقلقة إلى أقصى حد لكن لا أحد يشعر بي، هل من حل لهذه المعاناة؟
- أختي الكريمة أشكرك في البداية على ثقتك بشخصي للبوح بمشاعرك هكذا بصدق ووضوح ودون محاولة تجميلها أو تلميعها، وهذه بحد ذاتها شجاعة قد لا تتوافر عند الكثيرين. المشاعر الإنسانية الصادقة يجب أن تحترم أياً كانت طبيعتها لأننا جميعاً كبشر يمر بنا أوقات تتسرّب فيها أفكار ومشاعر مزعجة قد يراها الآخرون سخيفة لكنها بالنسبة لنا في غاية الأهمية وعندما يحدث من الأهل أحياناً كما ذكرت استهزاء أو رفض لهذه المشاعر من أساسها فإنهم بذلك يدقون أول مسمار في نعش التواصل الحقيقي الفعّال مع الأبناء، لأن الرسالة التي تصل إلى الابن أو البنت عندها هي أننا لا نرغب في الاستماع لمشاعركم الصادقة فإما أن تستبدلوها بمشاعر أخرى مزيّفة تتناسب مع ما ننتظره منكم أو تبحثوا عن شخص آخر لديه الاستعداد للاستماع بتفهم وصدق.
أختي الكريمة أعتقد أنك بشكل عام تتبنين لا شعورياً نمطاً سلبياً في التفكير وهو ما يجعلك دائمة القلق من أحداث كثيرة في حياتك، هذا هو ما يسمى بالنمط التلقائي السلبي في التفكير. لنأخذ كمثال ما حدث لك الآن.. زوجك لم يتصل بك فبدأت تلقائياً بتفسير ذلك بطريقة سلبية، ولنفترض أن ما حدث هو العكس أي أنه قام بالاتصال بك مرات عديدة بالإضافة إلى إرسال رسائل كثيرة بالجوال، هل تعتقدين أنك عندها ستشعرين بالثقة والطمأنينة؟ الاحتمال الأقرب معك أنت تحديداً وانطلاقاً من نمط التفكير السائد لديك هو أنك ستفكرين بهذه الطريقة: (لماذا يبالغ هذا الرجل بالاتصال بي بهذه الكثرة، لماذا كل هذه الرسائل!! إنه جريء جداً.. هل يعني هذا أنه معتاد سابقاً على المكالمات مع النساء!!) وهكذا ستبدئين رحلة أخرى مع القلق. ما أريد إيصاله لك أختي العزيزة هو أن المشكلة ليست في الحدث نفسه، بل في طريقة تفسيرك له، وطريقة تفسيرك هذه ستجدين أنها تلاحقك في الكثير من أحداث حياتك.ورد في الحديث القدسي أن الله سبحانه وتعالى يقول: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء). لنتأمل جيداً هذا الحديث، فالظن هو عمل قلبي بينك وبين الله، لا يكفي أن يتحرّك لسانك بالدعاء، بل يجب أن يصاحب ذلك يقين بأن الله سبحانه وتعالى أرحم بك من نفسك وسيكتب لك الخير كله. ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن). لنتأمل أيضاً، فالسراء والضراء هي بمنظورنا وتقديرنا نحن البشر لكن إذا ارتقينا بهذا المنظور سنجد أن كل ما يكتبه الله ويقدّره لنا هو خير، علينا فقط أن نحاول إدراكه وفهمه واستكشاف الجوانب الإيجابية الكثيرة فيه وهذا هو المقصود بالصبر وليس المقصود الخنوع واليأس وفقدان الأمل كما قد يفهم البعض. إننا في كون يديره أرحم الراحمين الذي هو أرحم بنا من أنفسنا، والذي مهما بلغت عقولنا من أفكار فلن تصل إلى دقة تدبيره وتصريفه للأحداث. فما علينا نحن البشر إلا أن نتأمل جيداً وننطلق بدافعية وإيجابية مستعينين بالله في كل خطوة نخطوها. وفّقك الله.
***
* السلام عليكم أنا شاب عمري 18 سنة مشكلتي هي التلعثم والتأتأة كثيراً عندما أتكلم وهي بدأت معي منذ أن كنت في المرحلة المتوسطة، بصراحة تأذيت كثيراً من ضحك الطلاب واستهزائهم بي أحياناً، بل حتى المعلم كان يعلّق علي تعليقات ساخرة تحرجني وتربكني أمام زملائي. الآن يا دكتور خفّت هذه المشكلة كثيراً والحمد لله لكنها ما زالت تظهر بالذات عندما أتكلم بحماس في مجموعة، هل هذه مشكلة نفسية وهل يوجد لها علاج؟ وشكراً
- أخي الكريم جميل منك أنك رغم ما واجهته في السنوات الماضية إلا أنك استطعت كما يبدو أن تجتاز الكثير من الصعوبات لعل من أهمها ما ذكرته للأسف الشديد عن المعلم الذي يفترض أن تكون أولى وأهم مسؤولياته هي دعم وتشجيع الطلاب والتعاطف معهم إلا أن ما يحدث أحياناً هو العكس.
التأتأة أو التلعثم يمكن تصنيفه بشكل عام إلى نوعين: عضوي بالدرجة الأولى أو نفسي بالدرجة الأولى لكن هناك تداخل أكيد بين النوعين لأن التأتأة عادة تظهر بشكل أكبر عندما ترتفع درجة التوتر لدى الشخص فيصبح غير قادر على التحكم في إيقاع الحديث ويفقد السيطرة. الدراسات الخاصة بهذا الجانب والتي شملت متطوعين يعانون من التلعثم أثناء الكلام أظهرت عن طريق قياس نشاط مراكز معينة في المخ أن الكلام لديهم يسبق التفكير، أي أن هناك نوعاً من الاندفاعية لديهم والاستعجال الذي يتسبب في ظهور الكلام بشكل متقطع.
هناك جانبان أعتقد أنهما سيساهمان بإذن الله في دعمك في المرحلة المقبلة وهما:
أولاً: زيارة أحد أخصائيي النطق أو التخاطب، حيث يتم من خلال الجلسات تدريبك على ضبط إيقاع الحديث والضغط على الحروف بطريقة صحيحة خصوصاً ذات الرنين أو الجرس الإيقاعي الخاص (كحرف السين مثلاً) والتي لها مخارج معينة أثناء النطق. قد تستفيد كثيراً أيضاً من قراءة القرآن وحيداً بصوت عال وبترتيل، حيث سيعزّز ذلك ثقتك بنطقك أكثر إلى أن تصنع لنفسك إيقاعاً أكثر هدوءاً واتزاناً في نطق الحروف.
ثانياً: إن كنت تشعر بقلق شديد عندما تكون في مجموعة مصحوب بأعراض جسدية كالخفقان والكتمة في الصدر أو التعرّق وارتعاش اليدين مع التأتأة في الكلام ونشفان الريق أثناء ذلك مع الشعور بانخفاض تقديرك لذاتك نتيجة ما تعرضت له سابقاً والخوف من أن تنتقد أو تلفت النظر أو التركيز إليك بطريقة سلبية فقد تكون تعاني من بعض أعراض الرهاب الاجتماعي ومن الأفضل لك أن تزور أحد الأطباء النفسيين. وفّقك الله ورعاك.
***
يبقى الحافز الداخلي أهم من كل الحوافز الخارجية مهما بلغت قوتها وكثرتها.
* دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض
e-mail: mohd829@yahoo.com