عمرُ أبو ريشة (شاعرُ الحبّ والجمال) مات ليبتدئ حياته...
مثلما ضاع الصوتُ في أصدائه
وكما ضاع البَوح وسط بكائه
وُلِد الشاعر العزيز غريباً
كصباحٍ في أعين العُمْيِ تائه
جاء فينا لثغَ الجداول بالإيناع
فازداد الصخرُ في غُلَوائه
يتنزّى مِن لسعةِ الشمس وجهُ النخل
كي يُستراحَ في أفيائه
فيه سرُّ الوضوح، أعجزَ أقوى
عبقريّاتِ الناس عن إفشائه
حملَتْ راحتاه حزمةَ ضوءٍ
حينما أجدب الضحى من ضيائه
مبحرٌ، والمرافئ الخضرُ كم تلهثُ
يأساً ؛ تدعو إلى إرسائه
أمَصُوغٌ من طينة الشمس، أم من
جدولِ البدر، أم شموخِ انتمائه؟
شاعرٌ في خُطاه، في شِعره، في
صمتِه، في رؤاه، في كبريائه
باذخٌ بالحياة، تنضحُ عيناه
ضياءً، كالنبض في إيحائه
شاعرَ الحبِّ والجمالِ، لهذا الكون
سرٌّ وأنتَ من آلائه
يا صهيلَ الأمجاد، حمحمةَ الأشعار،
ضبحَ الصمود، قدحَ إبائه
استرابوا لمّا انطويتَ! كمن لامَ
عليلاً مفتِّشاً عن دوائه
أنت في كلّ خاطرٍ، مَن يردّ الزهرَ
عن بَوح العطر من أشذائه؟
غنِّ للحقِّ واضحاً، ما نعى العطشى
على النهر ثرثراتِ صفائه
غنِّ مجدَ العروبةِ، اتركهمُ إن
قيل : هذا يجترّ عشبَ ورائه!
وليقولوا..! فهل حرامٌ بحقِّ البدويِّ
الحديثُ عن صحرائه؟
وليقولوا..! فليس يُرضي غرورَ البِيد
إلاّ شموخُه في حُدائه
غنِّ للحبِّ، للجمالِ، فلن يُمنعَ
طيرٌ مسترسلٌ في غنائه
غنِّ للإنسانيةِ/الجرحِ أحلى
ما يغنّي المشتاقُ في غيدائه
وتسامقْ ؛ فإنما قَدَرُ الطيرِ
الطليقِ التحليقُ في عليائه
يُولد الشاعرُ العظيم إذا أبدع
_ فكراً_ قصيدةً في رثائه
أنت في المجد ! لا غرابةَ، فالورد
إذا نام ؛ نام في أندائه
لن يُعيقَ الدجى شذا الورد، إن عرقل
خيلَ العيونِ نحو رُوائه