دين الإسلام الحنيف وإن جاء بلسان عربي وفي أرض عربية وعن طريق رسول عربي هو محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا الدين يتميز عن غيره من الأديان السابقة بأنه دين شامل ليس للعرب فقط بل للبشرية جمعا
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }ولذلك اعتنق هذا الدين في بدايته بالإضافة للصحابة الكرام أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وهم من العرب، اعتنقه أيضاً من القومية الفارسية الصحابي الجليل سلمان الفارسي الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام (سلمان منا أهل البيت) كما دخل في هذا الدين الحنيف من الروم الصحابي الجليل صهيب الرومي، ومن القومية الإفريقية الصحابي الجليل بلال بن أبي رباح رضي الله عنهم جميعاً.
كما أن شمولية هذا الدين الذي يعتبر آخر الأديان ورسوله صلى الله عليه وسلم هو آخر الرسل إلى أن يرث الله عز وجل الأرض وما عليها، قد آخت بين معتنقي هذا الدين وجعلتهم أخوة في الدين متساوين وجعلت معيار التميز بينهم هو درجة التقوى { أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}حيث قضى هذا الدين على النعرات والعصبيات الجاهلية، فالصحابي الجليل أسامة بن زيد تزوج من بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أن أسامة مولى والمرأة التي تزوجها تنتسب إلى أشرف قبائل العرب وهي قريش بل إنها قريبة رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما أن الصحابي الجليل مؤذن رسول الله عليه الصلاة والسلام بلال بن أبي رباح وهو ذو اللون الأسود ومن القومية الحبشية الإفريقية لم يمنعه ذلك من الزواج بامرأة قرشية أيضاً وأخت صحابي جليل هو عبدالرحمن بن عوف لأن مفعول الإسلام وتأثيره قد رفع هؤلاء الأجلاء إلى مستوى الإنسانية الحقيقية التي جاء بها الدين الحنيف.
كما أن شمولية هذا الدين وإنسانيته قد ساعدت المسلمين الأوائل في توسيع دائرة الدولة الإسلامية فبعد أن كان الدين الإسلامي مقتصراً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم على جزيرة العرب فقط حيث كان عليه الصلاة والسلام يركز حياته الشريفة على تأسيس قواعد وأحكام هذا الدين امتد بعد ذلك في عهد الخلفاء الراشدين إلى مساحات واسعة وصلت إلى حدود الصين شرقاً وإسبانيا (الأندلس) غرباً وتركيا وبلاد فارس وآسيا الوسطى شمالاً واليمن وأجزاء من إفريقيا والهند جنوباً، حيث لم يواجه المسلمون صعوبات في هذه الفتوحات عندما علم سكان تلك البلدان بسماحة هذا الدين وعدالته وإنسانيته وشموله، وأن هؤلاء الفاتحون لم ينتهجوا سياسة الإجبار والإكراه على سكان البلاد المفتوحة باعتناق الدين الجديد وترك معتقداتهم {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} وهو الأمر الذي شجعهم على ترك معتقداتهم السابقة واعتناق الإسلام، وهو ما ترتب عليه عدم اقتصار الإسلام في غالبيته على العرب بل شموله لقوميات متعددة ساهمت بعلمها وجهودها وجهادها في رفعة الإسلام وزيادة انتشاره، فجميعنا يعرف الأئمة في مجال العلم الشرعي البخاري ومسلم وأبي حنيفة وسيبوية في مجال الأدب، وبشار بن برد في مجال الشعر، ومحمد بن القاسم وطارق بن زياد في مجال العمل الجهادي العسكري وهؤلاء وغيرهم كثير ليسوا من القومية العربية وقد استمر المسلمون على هذه الحالة الإيجابية عشرات السنين إلى أن ظهرت العصبية القومية بين المسلمين كانت في البداية في العصر العباسي حيث معظم رجال الحكم من غير العرب فتعصب هؤلاء لقومياتهم، وعندما حل العصر الأموي وكان معظم رجال الحكم من العرب تعصب هؤلاء لقوميتهم العربية واستمر الحال على هذا الوضع إلى أن ضعفت الدولة الإسلامية وتمت تجزئتها.
وقد جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - إلى عقد مؤتمر الحوار الإسلامي الذي تم في مكة المكرمة مؤخراً وشارك فيه كثير من علماء المسلمين ومفكريهم ومن مختلف القوميات والمذاهب كدليل قاطع على حرصه - أيده الله - على وحدة المسلمين وإشاعة روح التسامح بينهم وذلك بالتركيز على التصدي للقضايا الأساسية وتجاوز مسائل الاختلافات الجزئية بينهم، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يغفل هذا الجانب عندما قال (بعثت على الحنيفية السمحة).
إذاً فإن فكرة هذا الحوار فكرة رائدة وهادفة وتدخل السرور على كل مسلم عندما يرى علماء المسلمين من كافة الجنسيات مجتمعون لبحث أمور أساسية تتعلق بمصلحة دينهم ومصلحة المسلمين وبالذات عندما جاءت هذه الفكرة من زعيم الدولة التي بعث فيها الرسول عليه الصلاة والسلام وأنزل عليه الوحي فيها إضافة إلى احتضان هذه الدولة للحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
فالدعوة للطريق الصحيح الذي يتوافق مع تعاليم الإسلام لم تتم أبداً بالإكراه أو التكفير أو القطيعة بل بالحوار الهادئ المبني على الأخلاق الفاضلة {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فهذا النص الرباني جاء كأمر من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم عند تعامله مع الكفار والمشركين، فكيف إذا كان التعامل بين المسلم وأخيه المسلم فالأولى أن يكون الحوار بينهما على درجة من الرقي والأخلاق العالية (فالكلمة الطيبة صدقة) ولها تأثيرها السحري في حل الاختلافات في الآراء والتوجهات.
فهدف خادم الحرمين - أيده الله - من إقامة هذا الحوار هو الوصول إلى (كلمة سواء) بين المسلمين واتفاق بينهم على القضايا الجوهرية حتى يكونوا مهيأين لمحاورة الآخرين.
وفق الله خادم الحرمين الشريفين لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
Asunaidi@mcs.gov.sa
فاكس (4032285)