مخيم زمزم (السودان) لويس شاربونو
أسواق عامرة بالخضروات والفاكهة الطازجة ومحطات وقود جديدة براقة ومنازل حديثة وطرق ممهدة ناعمة ومطعم للبيتزا.. إنها صور أبعد من أن تخطر على الذهن عند التفكير في منطقة دارفور بغرب السودان حيث تشير تقديرات إلى أن النزاع الدائر فيها منذ خمسة أعوام أسفر عن مقتل مئات الآلاف.
ولكن هكذا الحال في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور. وفي الفاشر حيث مقر المهمة المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في دارفور ثمة وفرة في المواد الغذائية غير أن ضعف المحصول أدى إلى ارتفاع حاد في الأسعار.
وتقول الأمم المتحدة إن العنف والازدحام الشديد في مخيمات اللاجئين فضلاً عن ضعف المحصول توفر (المناخ الأمثل) لحدوث أزمة غذاء في إقليم دارفور الذي يشهد أضخم عمليات إغاثة إنسانية في العالم. على بعد عشرة كيلومترات فقط من أكشاك سوق الفاشر العامرة يصارع آلاف من نازحي دارفور المقيمين في مخيم زمزم للبقاء على قيد الحياة ويحاربون المرض والجوع والعصابات. كان النازحون يحصلون على مساعدات غذائية تمدهم بما يزيد عن ألفي سعر حراري يومياً، والآن يعيشون على 1400 سعر بعد أن خفضت وكالات المعونة الحصص الغذائية بسبب الهجمات على قوافل الطعام.
ويبدو بعض الأطفال ببطون منتفخة، وهو دليل محتمل على سوء التغذية. ويحذر أريك ريفز وهو نشط في دارفور وأستاذ الآدب بجامعة سميث في ماساتشوستش من أن خفض الحصص الغذائية قد يؤدي (لمجاعة خطيرة في الأشهر المقبلة). ودرس ريفز الوضع في السودان على مدار عقد تقريباً.
ويقول خبراء دوليون إن ما لا يقل عن 200 ألف قتيل سقطوا في دارفور منذ عام 2003 حين حمل متمردون من غير العرب السلاح ضد الخرطوم. وشرد 2.5 مليون نسمة آخرين. وتقدر الخرطوم عدد الضحايا بعشرة آلاف. وتضاءلت الآمال في حدوث انفراجة تتيح لسكان مخيم زمزم وبعضهم يقيم هناك منذ سنوات العودة لديارهم. وتلقت محادثات السلام المتعثرة ضربة جديدة الشهر الماضي حين هاجمت حركة العدالة والمساواة المتمردة ضاحية في الخرطوم.
وقال كبيرا مبعوثي الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي إنه ينبغي الدعوة لقمة دولية للضغط على الأطراف للعودة إلى مائدة التفاوض. تبدو دارفور أرض التناقضات. في بعض الأماكن تبدو الأرض قاحلة تتناثر فيها الأشجار. ثم فجأة تظهر أشجار خضراء ومساحات شاسعة من التربة الخصبة. هذه أرض يقول مسؤولون أمريكيون إنها تشهد (إبادة جماعية بطيئة) وهو اتهام ينفيه السودان.
وهي أيضاً أرض يشكو فيها أفراد من قوات حفظ السلام الأجنبية من الملل. حين زار وفد من الأمم المتحدة مخيم زمزم في يونيو حزيزان شاهد مظاهر البؤس وجهاً لوجه. طفل يمد يده طلباً للطعام، وأرملة في الخامسة والثلاثين من عمرها تتحدث عن معاناتها لتوفير الغذاء لأطفالها الثمانية، وامرأة تتلعثم وهي تتحدث عن اغتصاب جماعي. ولكن سفير السودان لدى الأمم المتحدة عبد المحمود عبد الحليم يقول إن زمزم مخيم (خمسة نجوم).
وتقول إميليا كاسيلا المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في الخرطوم إن 62 ألفاً يعيشون في المخيم في أكواخ بدائية من الطين والقش وقطع من البلاستيك. فر هؤلاء من ديارهم هرباً من القوات المسلحة السودانية وميليشيات الجنجويد الموالية للحكومة ومعظم أفرادها من العرب. ويقدر ضابط شرطة كبير في قوات الأمم المتحدة من نيجيريا مسؤول عن تسيير دوريات في المخيم لحماية السكان من العصابات ومن يسعون لتجنيد المتمردين عدد سكان المخيم بنحو 52 ألفاً.
والأمر الذي لا شك فيه أن حياتهم يتهددها خطر أكبر. فقد أجبرت الهجمات التي تتعرض لها قوافل برنامج الأغذية العالمي والمصادمات المتكررة بين القوات السودانية والتشادية على طول الحدود الغربية للسودان الوكالة التابعة للأمم المتحدة إلى خفض الحصص الغذائية في دارفور إلى النصف. وقدم البرنامج الغذاء لنحو 2.7 مليون نسمة في أبريل- نيسان وحده من إجمالي عدد السكان البالغ ستة ملايين نسمة. وكثيراً ما أخلفت الحكومة السودانية تعهدها بتوفير حراسة لشاحنات المعونة. ويخشى دبلوماسيون في نيوريورك طلبوا عدم نشر أسمائهم أن الخرطوم لا تبالي للأمر.